للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل هذا المنسك المخصّص لهم لا بد «ناسِكُوهُ» مقتفون أثره وعاملون به ومقيدون بما فيه دون الأمم الأخرى، لأنه تعالى شرع لعباده شرائع على لسان رسله ليتعبّدوا بها لا ليجادلوا ويخاصموا من أجلها، فالأمم التي قبل موسى منكم صحف إبراهيم ومن قبله، ومن موسى إلى عيسى منسكهم التوراة، ومن عيسى إلى محمد التوراة والإنجيل المعدل لبعض أحكامها، ومن بعثة محمد صلّى الله عليهم أجمعين وسلم إلى يوم القيامة منسكهم القرآن يعملون به دون غيره. قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) الآية ٥٢ من المائدة الآتية «فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ» يا سيد الرّسل أهل الكتابين الموجودين في زمنك بأن شريعتهم ما كان عليه آباؤهم لأن كلّ شريعة تنتهي بإنزال ما بعدها من الشّرائع السّماوية على لسان رسل الله، بنقض العمل بها عند ما تحل محلها شريعة إلهية أخرى، فشريعتهم لمن كان قبل بعثتك وقد نسخت بشريعتك التي نسخت كلّ الشّرائع المخالفة لها سواء بالذبائح المعبر عنها بالنسك أو غيرها، وقد جاءت جامعة لأصول وفروع جميع الشّرائع، حاوية لأحسنها. قال تعالى (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) الآية ١٠٧ من البقرة المارة «وَادْعُ» يا سيد الرّسل جميع النّاس إلى شريعتك هذه، لأنا أرسلناك إليهم كافة، راجع الآية ٣٩ من سورة سبأ ج ٢ وما ترشدك إليه من المواقع وأمر النّاس كافة بالإخلاص «إِلى رَبِّكَ» بان يطيعوك ويعملوا بما أنزل عليك وعزتي وجلالي «إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ» (٦٧) وهم على ضلال معوج في نزاعك «وَإِنْ جادَلُوكَ» بعد ما تبين لهم هداك وأصروا على منازعتك في أمر الدّين «فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ» (٦٨) من مخالفتي مع علمكم أني على الحق، وإذا أصروا على جدالهم فأعرض عنهم، وقل «اللَّهُ يَحْكُمُ» بَيْنَكُمْ» وبيننا وبين الخلق أجمع «يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ» (٦٩) وإذ ذاك يظهر المحق من المبطل. ولا نسخ في هذه الآية لأن الله تعالى لم يأمر نبيه بقسر أهل الكتابين على قبول دينه، بل بالاكتفاء بأخذ الجزية منهم وقد ضربها عليهم ولم تزل تؤخذ منهم إلى يوم القيامة، لأن الأتراك المسلمين لا يزالون يتقاضونها منهم، وهكذا بعض ملوك المسلمين، أما ما يقع

<<  <  ج: ص:  >  >>