للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتورعوا عن زواجهن، لأن هذا مما تعورف عند الأعراب، ولا تزال هذه العادة حتى الآن لدى عرب البادية، وإن الرجل منهم قد يأتي إلى الآخر ويقول له على ملأ من الناس (خلّ لي زوجتك) أي تنازل لي عنها طلقها وأعطنيها لأتزوجها فيفعل، وكثيرا ما تقول المرأة لزوجها خلني لفلان فيخليها أي يطلقها فتتزوج به، الا ان الأنبياء لما فضلوا على غيرهم ورفعهم الله بالنبوة لا يليق بمقامهم الشريف التنازل لبعض ما فيه بأس من عادات الناس لأنها تحط بقدرهم، وكذلك الأمثل فالأمثل ينبغي أن لا يقارب أمثال هذا وأن يتورع عنه كل ذي مروءة لأن الزمن هذا غير ذاك، ورحم الله امرأ جب المغيبة عن نفسه، هذا وقيل أن أوريا خطب تلك المرأة وغاب في غزاة فخطبها داود بعده وتزوجها، فاغتم أوريا لذلك، فعاتب الله داود عليه، واستدل صاحب هذا القيل بقوله تعالى (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي الخطبة، ووجه العتب عليه خطبة على خطبته وقد جاءت شريعتنا بها حيث نهى رسول الله الخطبة على الخطبة والبيع على البيع راجع كتب الفقه بذلك، فالحادث عبارة عن إحدى هاتين وهي موافقة في المعنى لما أخبر الله به عنه وقد اعتمد جهابذة المفسرين، أما ما ذكره بعض الأخباريين، في أنه عليه السلام حين رأى المرأة أحبها وبعث زوجها أوريا إلى الغزو أو أمر بإرساله، وأن يتقدم التابوت لا يرجع حتى يقتل بقصد أخذ زوجته، فهو باطل بعيد عن الصحة، تتحاشى غير الأنبياء ومروءتهم عنه، وإن إرشادهم للخلق وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر يحول دون ذلك، ويتباعد مقامهم الشريف عنه، بل غيرهم من الصالحين لا يقدر عليه، ولأنه لو نسب إلى آحاد المؤمنين لاستنكف عن قربه وأنف من إحداهما مثله، فكيف يجوز إذا نسبته إلى صفوة خلق الله وأمينه على الوحي، روى سعيد بن المسيب والحارث الأعور عن علي كرم الله وجهه أنه قال: من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة جلدة مضاعفا. لأن الجلد غايته ثمانون وهذا حد الفرية على الأنبياء، قال القاضي عياض لا يجوز أن يلتفت إلى ما سطر الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا في مثل حادثة داود وسليمان

<<  <  ج: ص:  >  >>