للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصار حضرة الرّسول يستفهم مخاطبه من شدة ما يخفض صوته، ثم أنب الله قوما آخرين لم يتقيدوا بآداب الله التي يريدها من عباده أمام رسوله، فقال عز قوله «إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ» (٤) إن ذلك سوء أدب منهم وقلة احترام لنبيهم، وانهم مؤاخذون عليه، ولكن سفههم وقلة عقولهم وعدم مبالاتهم حدا بهم إلى هذا الحد. قال تعالى «وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ» ولم يجرءوا على مناداتك كما ينادون أحدهم «لَكانَ» صبرهم مراعاة لحسن الأدب وتوقيرا للمنادى «خَيْراً لَهُمْ» في دنياهم لئلا يوصموا بسوء الأدب تجاه نبيهم المعظم عند الله، وفي دينهم الموجب عليهم احترامه وتمييزه عنهم وفي آخرتهم، لأن ما وقع منهم من قلة الأدب يدون في صحيفتهم ويعد من جملة سيئاتهم، وسيذكرون بها يوم الحساب وقد يشملها عفو الله «وَاللَّهُ غَفُورٌ» لما وقع منهم لأنه عن جهل لا عن قصد «رَحِيمٌ» (٥) بهم إذا تابوا وأنابوا. قال ابن عباس بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم سرية إلى ابن العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما بلغهم ذلك تركوا أهلهم وهربوا، فسباهم عيينة وقدم بهم على رسول الله، فجاء رجالهم ليفدوهم، فوافقوا رسول الله قائلا وصارت ذراريهم تبكي فجعلوا ينادون يا محمد أخرج إلينا، فخرج إليهم وحكم فيهم الأعور بن يشامّه من أهل دينهم بطلبهم، فحكم أن يعتق النّصف ويفادي النّصف، فرضي صلّى الله عليه وسلم ورضوا هم أيضا. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ» أي خبر سوء وهو المراد به هنا ويكون في الخير كما يكون في الشّر راجع الآية ٩٤ من سورة النّساء المارة «فَتَبَيَّنُوا» أطلبوا البيان لذلك الأمر المخبر به ذلك الفاسق واستكشفوا حقيقته ولا تعتمدوا على قوله فتقعوا في الخطأ إذا نفذتم ما يقتضي لذلك الخبر، فإياكم أن تعجلوا في إنفاذه واحذروا عاقبته من «أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» فتضروهم قبل أن تقفوا على جلية أمرهم لما يلحقكم من الغضب الموجب للمسارعة بالانتقام فتندموا من حيث لا ينفع النّدم «فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»

(٦) إذ يتبين خطأكم. وسبب نزول هذه الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن

<<  <  ج: ص:  >  >>