للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واضحا ولم يكن فتح الحديبية بغاية الظّهور المشار إليه في هذه الآية، ولا فتح خيبر، ولا غيرها أيضا ولا يصح إطلاقه إلّا على فتح مكة، لأن كلّ فتح دونها ليس بشيء إذ ذاك، ولأن كلمة الإسلام إنما علت بفتحها وما رفع شأن المؤمنين إلّا بعد فتحها الذي صار قاطعا للكفر، ما حيا آثاره، معلنا كلمة الإسلام، معظما أهله، خضعت فهى صناديد قريش وطلبوا الأمان من سيد الأكوان، واستسلموا لحكمه خاشعين خاضعين. ومن قال إن المراد بهذا الفتح فتح بلاد الرّوم إذا غلبت فارس فليس بشيء أيضا وهو خلاف الظّاهر ولا علاقة لفتح الرّوم بظهور الإسلام، وكذلك القول إن المراد بالفتح فتح الإسلام بالحجة والبرهان والسّيف والعنان، لأن هذا تابع للفتح الفعلي لمكة، وقد كان والحمد لله مصداقا لقوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ) الآية الخامسة من سورة الحديد، وقوله (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الآية ١٣٩ من آل عمران المارتين، وخلاصة هذه القصة هو أنه لما صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية كما تقدم في الآية ١٠ من سورة الممتحنة دخلت بنو بكر في عهد قريش وخزاعة فيه عهد محمد صلّى الله عليه وسلم. ثم إن بني بكر عدت على خزاعة وهم على ماء لهم يسمى الوتير وأصابوا منهم رجلا وتحاربوا فيما بينهم، وكان من قريش أنها ردفت بني بكر بالسلاح وقاتلت معهم، وبهذا انتقض ما كان بين قريش وحضرة الرّسول من الميثاق بسبب ما استحلوه من خزاعة حليفته، ولهذا قدم عميدهم عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله في المسجد وخاطبه على ملأ من النّاس بقوله ...

يا رب إني ناشد محمدا:

خلف أبينا وأبيه الأتلدا ... قد كنتم ولدا وكنا ولدا

ثمة أسلمنا فلم ننزع يدا ... فانصر هداك الله نصرا أعتدا

وادع عباد الله يأتوا مددا ... فيهم رسول الله قد تجردا

إن تمّ حسنا وجهه تريدا ... في فيلق كالبحر يجري مزيدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعوا أحدا

وهم أذل وأقل عددا ... هم بيتوتا في الوتير هجدا

<<  <  ج: ص:  >  >>