للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطلب في مثالب اليهود والتفرقة في الدّين وما ينشا عنها وأن تبليغ الرّسول مقصور على القرآن وأمره بترك حراسته:

«وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ» يا حبيبي «يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» من الكذب والظّلم والتهور والحيف وسائر أنواع الإثم واصناف العداء «وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ» الرشوة في الأحكام وكلّ ما لا يحلّ تناوله يسارعون إليه والله انهم «لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (٦٢) من الجنايات والرّذائل «لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ» أي هلا نهوهم عن ذلك وهو واجب عليهم منعهم عن تناوله وتعاطيه ولكنهم لم يفعلوا أيضا والله انهم «لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ» (٦٣) بسبب سكوتهم عن الحق وكتمهم إياه وإقرارهم البطل وعدم نهيهم عما نهى الله عنه بكتابهم. قال ابن عباس ما في القرآن آية أشد توبيخا لعلماء اليهود من هذه الآية قال الضّحاك لا آية أخوف عندي منها يريد أن العالم إذا لم ينته دينه النّاس عن المعاصي يكون مثل هؤلاء يضلون أنفسهم وغيرهم. قال تعالى «وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ» عن الإنفاق على عباده أي أنه يبخل عليهم «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ» لأعناقهم وهذه كلمة دعاء عليهم أي غلت أيديهم بالدنيا بالبخل ولذلك تراهم أبخل النّاس وفي الآخرة بالأغلال الحديدية والطّرد من رحمة الله الدّال عليه قوله «وَلُعِنُوا بِما قالُوا» على الله الجواد الكريم الواسع العطاء، وهذا قريب من قولهم (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) في الآية ١٨١ من آل عمران المارة قاتلهم الله وأخزاهم. قال ابن عباس ان الله تعالى بسط على اليهود حتى صاروا أكثر النّاس أموالا فلمّا لم يؤمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلم ضيّق عليهم إذ ذاك (ولما أصروا على ما هم عليه بسط الله عليهم الدّنيا فتراهم أكثر النّاس أموالا حتى الآن) فقال فنخاص الخبيث لما سمع كلام ابن عباس أرى يد الله مغلولة أي ينسب إليه البخل بسبب ذلك، تعالى الله علوا كبيرا عنه وتنزه، ولم ينكر عليه أحد من اليهود بل رضوا بمقالته القبيحة هذه، فكأنهم قالوها كلهم، فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، أي قل لهم يا سيد الرّسل ليس الأمر كما تتهمون الحضرة الإلهية «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ» كرما منه لأحبابه ورأفة وجودا على جميع خلقه بما فيهم أعداؤه ينزل لكل منهم

<<  <  ج: ص:  >  >>