للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على سبيل سؤال التقرير، وجعل جوابه مسكوتا عنه لوضوحه، أي ليس هذا كمن أسس بنيانه على قواعد محكمة وقصد به تقوى الله ورضوانه، فلا شك أنه خير وأحكم ممن يؤسس بنيانه على ما ذكر، ولم يقصد به إلّا مناوأة الله ورسوله والمؤمنين طلبا لمرضاة الفاسق المذكور، ومن كان هذا شأنه فإن عاقبته النار لا محالة، وعاقبة الآخر محبة الله ورسوله، والحصول على رضوانهما ودخول الجنّة. قال تعالى مشددا في حزنهم وكآيتهم على ما فعلوا وقعدوا «لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ» كالحزازة تحوك في صدورهم لعظم جرمهم. والإثم حزاز القلوب لكثرة تردده فيها وسيبقي كذلك، «إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ» كمدا فيموتوا على غيظهم وغدرهم وحدهم وحسرتهم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بنيتهم في بنائه، ولذلك فضحهم على لسان رسوله وأصحابه بسبب بغضهم لهم «حَكِيمٌ» (١١٠) بحكمه عليهم فيما ذكر جزاء جرأتهم على الله ورسوله.

قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» في هذه الدّنيا «أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» في الآخرة بدلا منها، ثم بين هذه المبايعة بقوله «يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» بأموالهم وأنفسهم «فَيَقْتُلُونَ» أعداءه وأعداءهم «وَيُقْتَلُونَ» في طاعته وطاعة رسوله ابتغاء مرضاته. قال كعب بن زهير:

لا يفرحون إذا نالت رماحهم ... قوما وليسوا مجازيع إذا نيلوا

لا يقع الطّعن إلّا في نحورهم ... وما لهم من حياض الموت تهليل

وكان قائلهم يقول ما قاله الشّريف الرّضي:

ونحن النّازلون بكل ثغر ... نريق على جوانبه الدّماء

ونحن اللابسون لكل مجد ... إذا شئنا ادّراءا وارتداء

ولو كان العداء يسوغ منا ... لسنا النّاس كلهم العداء

وقال حافظ ابراهيم المصري في هذا المعنى:

شمّر وكافح في الحياة فهذه ... دنياك دار تناحر وكفاح

وانهل مع النّهال من عذب الحيا ... فإذا رقا فامتح مسح المتّاح

<<  <  ج: ص:  >  >>