للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متابعة حضرة الرّسول في الغزو وعدم التخلف عنه، وهذه الآية محكمة عامة جار حكمها في زمن الرّسول ومن بعده من الخلفاء والأئمة والسّلاطين والأمراء والحكام إذا دعوا النّاس للجهاد لإعلاء كلمة الله ودفع الظّلامة عن المسلمين وصونهم من التعدي عليهم أو على ثغورهم وجبت متابعتهم وإجابة دعوتهم والجهاد معهم بالمال والنّفس معا عند القدرة أو بأحدهما حتما بلا خلاف على القادر. أما ما قاله قتادة من أن حكمها خاص برسول الله صلّى الله عليه وسلم فقول لا مبرر له، لأن الغزو ليس من خصوصيات حضرة الرّسول نفسه ليختص الحكم فيه بل هو من جملة مصالح المسلمين، وما كان من مصالح المسلمين كان عاما، وإلّا لما قام به الخلفاء الرّاشدون من بعده صلّى الله عليه وسلم. قال الوليد بن مسلم: سمعت الأوزاعي وابن المبارك وابن جابر وسعيدا يقولون إنها لأول هذه الأمة وآخرها، ونقل الواحدي عن ابن عطية أن هذا إذا أمرهم ودعاهم، وقال هذا هو الصّحيح. وما قاله ابن زيد من أن هذه الآية منسوخة في قوله تعالى (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) الآية الآتية بعد هذه، وانها كانت حين كان الإسلام قليلا، قول غير سديد، لأن هذه الآية خاصة بمن كان يأتي من الأحياء ليسأل حضرة الرّسول عن أمر الدّين كما سنبينه في تفسيرها إن شاء الله. أما القول بقلة الإسلام وضعفه عند نزول هذه الآية فغير صحيح، لأنه كان كثيرا وقويا بالنسبة لأعدائه إذ ذاك، والقوة تعتبر في كل زمان بما يناسبه، حتى إن أعداء الإسلام في هذا الزمن أكثر وأكثر بالنسبة لزمن نزول

هذه الآية، إذا لا حجة بالقلة والكثرة، تدبر.

قال تعالى «وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً» في سبيل الله «صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً» من شق التمرة فما فوقها «وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً» في ذهابهم وإيابهم «إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ» به عمل صالح مقبول عند الله يثابون عليه «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» (١٢١) في الدّنيا من الجهاد وغيره وإنهم يؤجرون على كلّ شيء بأحسنه وأكثر ثوابا. تدل هذه الآية على أن من قصد طاعة الله كانت جميع حركاته وسكناته حسنات مثاب عليها عند ربه. ومن قصد معصيته كانت عليه سيئات معاقب عليها إلّا أن يتغمده الله برحمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>