للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحرمهم من نعيمها في الدنيا فانتبهوا وتيقظوا لأن من قدر على تغريرهما يستطيع أن يستميلكم إلى أهوائه ويستذلكم عن منهج الحق إلى سبيله الباطلة من باب أولى، لأنكم مهما كنتم لا تبلغون درجة أبويكم. تؤذن هذه الآية بالنهي عن الطواف بالبيت عراة إذ كانوا يفعلونه في الجاهلية «يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما الذي كانا يرتديانه في الجنة بسبب فتنته لهما، وقد أسند النزع إلى الشيطان لأنه السبب الظاهري فيه وإلا في الحقيقة هو الله «لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما» انتقاما منهما لأن أحدهما آدم هو السبب بإخراجه من الجنة فيريد الانتقام منه ومن زوجته ومن ذريتهما أيضا «إِنَّهُ» إبليس وجيشه «يَراكُمْ» أيها الناس «هُوَ وَقَبِيلُهُ» ذريته لأن قبيل المرء ذريته وعترته، والقبيلة بنو أب واحد، وقبيلة معطوف على ضمير انه لا على الضمير البارز لأنه تأكيد لضمير يراكم «مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ» في دار الدنيا، وإذا كان كذلك فعلينا معشر المتقين أن نستعين عليهم بمن يراهم ولا يرونه ذلك الإله العظيم القادر الذي من لجأ اليه وقاه ومن استعاذ به حماه ومن توكل عليه كفاه لا إله إلا هو له الخلق والأمر. أما ما جاء من أن حضرة الرسول رآه وأراد ربطه بسارية المسجد كما تقدم في الآية ٣٥ من ص فهو من خصوصياته صلّى الله عليه وسلم، ورؤية ابن مسعود جن نصيبين الآتي بيانها أول سورة الجن في ج ٢، فهي على غير صورهم الحقيقية، ولهذا قال الشافعي رحمه الله، من زعم أنه رآهم على صورهم التي خلقوا عليها فقد ردّت شهادته وعزّر لمخالفته القرآن. هذا وليعلم أن بني آدم يرون الجن في الآخرة وهم لا يرونهم عكس الدنيا ويكونون أي مؤمنو الجن في فنائها قال تعالى «إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ٢٧» بنا ليزيدوا في غيهم ومن لم يكن وليه الله سلط عليه الشيطان «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً» مما يستقبح من الأفعال، والضمير، يعود إلى غير المؤمنين أولياء الشياطين ومنهم الطوافون عراة «قالُوا» لك يا حبيبي إذا نهيتهم عنها إنا «وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا» ولذلك نفعلها، هذه حجتهم الحقيقية والثانية قولهم بهت وافتراء «وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها» فرد الله عليهم بقوله «قُلْ» لهم يا أكمل الرسل «إِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>