للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرطنا في واجبنا المطلوب منها وهو النهي، لئلا نعد راضين بفعلهم، لأن الساكت عن فعل منهى عنه كالراضي به، والراضي كالفاعل. وفيه تقريع للفرقة الساكتة، لأن سكوتهم قد يعد رضى وإقرارا في بعض الأحوال. لهذا روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وجاء في حديث آخر: (ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من لا ينكر عليهم إلا عمّهم الله بعذابه) . ثم قال تعالى على لسان الناهين «وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ١٦٤» الله فيما فعلوا فيرجعوا إليه خوفا من عقابه وينتفعوا بموعظتنا، وإنا طمعا بارتداعهم وتوبتهم نصحناهم قياما بالواجب المترتب علينا، قال تعالى «فَلَمَّا نَسُوا» هؤلاء المخالفون «ما ذُكِّرُوا بِهِ» من قبل الناهين ولم يقبلوا موعظتهم «أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ» لأنهم قاموا بما هو مترتب عليهم ولم يسكنوا ليؤاخذوا بسكوتهم الذي يعد رضى منهم «وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ» عظيم محزن مخز «بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ١٦٥» يخرجون عن طاعتنا والفرق بين يفسقون ويظلمون أن الظالمين من وصفوا بالظلم والفاسقين من خرجوا عن الطاعة، وإنما عد تركهم نسيانا لإهمالهم الأخذ بنصح جماعتهم وتشبيه التارك بالنّاسي استعارة، والجامع بينهما عدم المبالاة في كل، ويجوز أن يكون مجازا مرسلا لعلاقته السببية، ولم يحمل على ظاهره لأن النسيان في شريعتنا لا يؤاخذ عليه، والترك عن عمد يترتب عليه العقاب. روى ابن ماجه عن البيهقي عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال:

(إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أما في شريعة موسى عليه السلام فالنسيان مؤاخذ عليه، وكذلك الخطأ، كما مرّ في تفسير الآية ١٥٧، وقوله صلّى الله عليه وسلم رفع، يدل على عدم العذاب في شريعتنا على الثلاثة الواردة في الحديث والعقاب على من قبلنا عليها وإلا لم يقل رفع، تأمل، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يقول الله (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) فلا أدري ما فعل الله بالفرقة الثالثة الساكتة وجعل يبكي، فقال عكرمة جعلني الله

<<  <  ج: ص:  >  >>