للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي قدامهم «وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا» من ورائهم «فَأَغْشَيْناهُمْ» بالسدين المذكورين وغطيناهم بهما غطاء محكما، وقرىء فأعشيناهم بالعين من العشاء وهو ضعف البصر، والأول أبلغ وقرىء سدا بضم السين وفتحها، وقيل ما كان من فعل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق الله فهو بالضم، وقيل بالعكس «فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ» ٩ سبل الهدى لانهم يتعامون عن النظر في آيات الله فلا يستطيعون الخروج من الكفر الى الإيمان. واعلم أن المانع من النظر بآيات الله قسمان قسم يمنع عن النظر في الأنفس فشبه بالغلّ الذي يجعل صاحبه مقحما لا يرى نفسه ولا يقع بصره على بدنه كما مر آنفا، والمراد من جمع الأيدي الى الأذقان المشار إليه أعلاه عبارة عن منع التوفيق إلى الهدى، ولهذا استكبروا عن الحق، لأن المتكبر يوصف برفع العنق، والمتواضع بضده قال تعالى: (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) الآية ٥ من سورة الشعراء الآتية، وقسم يمنع النظر في الآفاق فشبّه بالسد المحيط بالشيء فإن الشيء انحاط به لا يقع نظره على الآفاق فلا يظهر له ما فيها من الآيات، فمن ابتلي بهذين القسمين حرم من النظر بالكلية، وان الله تعالى شبه تصميم هؤلاء الكفرة على الكفر بالأغلال، وشبه استكبارهم عن قبول الحق والتواضع لاستماعه بالأقماح لأن القمح لا يقدر أن يطأطىء رأسه، وقوله تعالى إلى الأذقان تتمة للزوم الإقماح لهم، وشبه عدم نظرهم في أحوال الأمم السابقة بسد منيع من خلفهم، وشبه عدم نظرهم بالعواقب المستقبلة بسد عظيم من أمامهم ولذلك نفى الله عنهم الإبصار لأن من كان هذا حاله بعيد عن إبصار الحق لعماء بصيرته عن التفكر فيه، وان هذا وصف لما سينزله عليهم من العذاب الأخروي حين يلقون في النار، أجارنا الله منها. قال تعالى «وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ» أولئك الكفرة الموصوفين آنفا «أَأَنْذَرْتَهُمْ» يا محمد وخوفتهم عاقبة أمرهم إن لم يؤمنوا بك «أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ» بما أمرت به فهم «لا يُؤْمِنُونَ» ١٠ بك ولا ينتفعون بوعظك وزجرك، إذ يستوي عندهم الحالان فوجود إنذارك وعدمه سواء لديهم، فلا تزعج نفسك بالإلحاح عليهم، لأنهم ضالّون أزلا، ومن يضلل الله فلا هادي له

<<  <  ج: ص:  >  >>