للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنك يا سيد الرسل «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ» المنزل عليك وهو القرآن العظيم ليعمل بما فيه وينتفع باتباعه رغبة بك وبدينك وربك، وعبر بلفظ الماضي لتحقق وقوع اتباعهم له، لأنهم من الناجين فى علم الله الأزلي، ومن يهد الله فهو المهتد لا يقدر أحد على إضلاله، وهذا بمقابلته (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) لأن أولئك من غضب الله عليهم، وهؤلاء من رحمته بهم ورضاه عنهم «وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ» خافه سرا وجهرا إذ لم يره وداوم على عبادته ولم يغتر برحمته لأنه مع عظيم رأفته أليم عذابه، قال تعالى (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) الآية ٥١ من سورة الحجر في ج ٢ فهذا الذي يهابني ولم يرني «فَبَشِّرْهُ» يا محمد «بِمَغْفِرَةٍ» واسعة لذنوبه مهما عظمت «وَأَجْرٍ كَرِيمٍ» ١١ زيادة على المغفرة والأجر وأوله الجنة ونعيمها، وآخره رؤية المولى وهو الجواد على عباده بها، كيف لا وهو الكريم الذي يعطي لا لغرض أو عوض؟

وقل يا أكرم الرسل لمنكري الحياة الأخرى «إِنَّا» نحن إله السموات والأرض اللتين خلقهما أكبر من خلق الناس قادرون على أن «نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى» مرة ثانية للحشر والحساب كما أحييناهم من النطفة، وكما نحيي الأرض الميتة بالماء والقلوب الغافلة بالذكر، لأن القلوب الميتة بأدران الشرك لا تحيا إلا بطهارة الإيمان.

[مطلب فيما بكتب من آثار الخلق:]

«وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا» في دنياهم من خير وشر «وَ» نحصي «آثارَهُمْ» التي أبقوها بعدهم لنخلّدها لهم ليبقى ذكرهم إن كان حسنا كوصية لا جور فيها، ووقف لوجوه البرّ، وعلم ينتفع به، وتعليم الخير للغير، وكتاب صنفوه في أمر الدين، وبناء رباط، أو جامع، أو مستشفى، أو مدرسة، فيكون ذكرهم حسنا. وإن كان سيئا كمال تركوه حراما، وحكم حكموه جورا، ومظالم ارتكبوها يكون ذكرهم سيئا. روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من يعمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام

<<  <  ج: ص:  >  >>