للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما معه من السماء فلنا أمر آخر ننظر به، وكلمة أسرّ، من الأضداد، بمعنى أخفى وأظهر ومثلها أودعت بمعنى دفعت الوديعة وقبلتها، وأطلبت بمعنى أحوجته إلى الطلب وأسعفته بما طلب، وأفزعت بمعنى أحللت فيهم الفزع وأخرجتهم إلى الفزع، وأشكيت بمعنى أحوجتهم للشكاية، ونزعت عن الأمر الذي شكوني به وهكذا كثير، وبأثناء المناجاة «قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى» ٦٣ أي شريعتكم الحسنة الفضلى التي لا أمثل منها، تبعا لقول فرعون الآنف الذكر وإظهارا لطاعته في أمرهم به، وإن هنا مخفّفة من الثقيلة وأسمها ضمير الشان، وعلى هذا المصاحف، وقرىء (إن هذين) إلخ بأعمال إنّ و (إِنْ هذانِ) إلخ على أن إن بمعنى نعم كقوله:

ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت إنّه

وقرىء إن بمعنى ما النافية، وعليه فتكون اللام في (لساحران) بمعنى إلا، كالتي في الآية ١٠٤ من الأعراف المارة، أي ما هذان إلا ساحران، قراءات أربع أرجحها الأولى على قراءة عاصم ورواية حفص وابن كثير والخليل، ثم قال بعضهم لبعض بعد انتهاء النجوى ومراجعة فرعون «فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا» واحدا على قلب واحد ومقصد واحد، لأنه أهيب لكم بأنظار المجتمعين، ولا تتفرقوا بالرأي والإقدام «وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى» ٦٤ على خصمه فإنه يربح ويفوز بالمرتبة العظمى من الملك ويكسب حمد الناس أجمع، وهذا من جملة ما تشاوروا به، ولما أجمع أمرهم على المقابلة «قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ» ما لديك أولا لنلقي عليه ما يبطله «وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى» ٦٥ ما لدينا ثم تلقي أنت ما تراه مبطلا لعملنا، وقد استعملوا مع موسى الأدب بتفويض الأمر إليه، لأنه حين المداولة شكّوا في كونه ساحرا مثلهم، وظنّوا أن ما عنده من الله فاختاروا تقديمه احتراما له، ولكن الله تعالى ألهمه بأن يتقدّموا بما عندهم أولا ليظهر الله سلطانه بقذف الحق على الباطل ليمحق إفكهم ويزهق باطلهم ويعلي شأن رسوله على الناس، ولو ألقى هو أولا ثم ألقوا بعده لما ظهر للناظرين شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>