للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القسم مقدم عليه وهو لن نؤثرك ويجوز العطف على ما جاءنا وعليه يكون المعنى لن نختارك على ما جاءنا ولا نختار عبادتك على عبادة الذي خلقنا والاول اولى قيل انهم لما سجدوا كشف الله عن بصيرتهم قرأوا منازلهم في الجنة لذلك صارحوه بقولهم «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» به من تعذيبنا لنلحق بربنا، فإنك «إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا» ٧٢ الفانية التي لم يبق لنا بها رغبة ولم تعد تخالج قلوبنا رهبة مما فيها من العذاب بعد أن رأينا من إله موسى ما رأينا «إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا» السابقة «وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ» أيضا لعله يغفره لنا لأنا عرفنا موسى ليس بساحر حين المناظرة معه قبل المباراة، وذلك أنهم قالوا لفرعون أرنا موسى قائما، فأراهموه، فرأوا عصاه تحرسه، فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره فهذا ليس بساحر، وأرادوا الامتناع عن مناظرته، فأكرههم عليها، ولقد تناجوا فيما بينهم وتنازعوا ولم يلقوا له بالا ولم يؤثر فيهم تهديده، فقالوا «وَاللَّهُ خَيْرٌ» ثوابا وأعظم عقابا منك «وَ» خيره «أَبْقى» ٧٣ وأدوم من خيرك لأنه باق، وخيرك وشرك زائل، والخير الباقي خير من الفاني، والشر الفاني أهون من الباقي وهذه الجملة بمقابلة «أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى» قال الحسن رض الله عنه سبحان الله لقوم كفارهم أشد الكافرين كفرا ثبت في قلوبهم الإيمان بطرفة عين، ولم يتعاظم عندهم أن قالوا لفرعون في أبهته «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ» في ذات الله، والله ان أحدهم (يريد أهل زمانه) اليوم ليصحب القرآن ستين عاما ثم يبيع دينه بشيء حقير. هذا قوله رضي الله عنه في زمنه قبل الف ومئتى سنة وكسور، فكيف بأهل زماننا هذا الذي عمّت فيه البلايا وكسرت به الرزايا، وقل فيه الحياء، وازداد فيه العناء وكثر فيه الشقاء، فالتّقي يعاب، والشقي يهاب، وصاحب الحق مقصور، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، ثم أنظر رعاك الله كيف تنورت بصائرهم إذ قالوا له «إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً» بما اكتسبه من أعمال قبيحة في هذه الدنيا «فَإِنَّ لَهُ» في الآخرة جزاء إجرامه «جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها» فيستريح من عذابها «وَلا

<<  <  ج: ص:  >  >>