للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخرج الناس من أجداثهم مهرولين «يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ» الملك الذي يدعو الناس الى موقف الحشر فيسلكون وراءه طريقا «لا عِوَجَ لَهُ» فلا يزيغون عنه قيد شعرة يمينا ولا شمالا ولا يلوون على شيء أبدا تراهم كلهم سراعا مستوين «وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ» هناك وذلت الأنفس وخضعت الجوارح «لِلرَّحْمنِ» الذي وسعت رحمته من في السموات والأرض «فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» ١٠٨ أصواتا دقيقة رقيقة في غاية الخفاء، وتراهم من شدة الفزع وهيبة الموقف قد سكنت أصواتهم وضعفت قوتهم «يَوْمَئِذٍ» في ذلك اليوم المهيب يلتمسون من يلوذون به ليشفع لهم ولكن «لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ» لأحد ما، من أحد ما «إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا» ١٠٩ بذلك فهذا الصنف الجليل يشفع بإذن الله لمن يأذن له بشفاعته فالذي يأذن هو الله الذي «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» ما تقدم من أعمالهم الشافعين والمشفوع لهم وما تأخر وما استهلكوه في حياتهم وما خلفوه لاولادهم فانه جل وعلا يحاسبهم على ذلك كله لأنه محيط بهم كمحاسبة رجل واحد مثل طرف العين وهو عالم بما وقع منهم على الانفراد «وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً» ١١٠ أي لا يحيط علم الشافعين والمشفوع لهم بمعلومات الله الشاملة كما في الآية ٩٨ المارة

«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ» خضعت وذلت الخلق أجمع، وهذا من إطلاق الجزء وارادة الكل، ويسمى الأسير عانيا لذلته، ومعنى القيوم القائم على كل نفس بما كسبت في دنياها لأنه حيّ حياة أبدية لا يخفى عليه شيء من أعمال خلقه وهم سائرون تحت مراقبته في هذه الدنيا، ويوم القيامة يختص بالملك والقهر فتظهر إذ ذاك على الوجوه علائم السرور وإمارات الشرور «وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً» ١١١ في ذلك اليوم الذي يقول الله فيه على ملأ الأشهاد لمن الملك اليوم؟ فيسكت جميع الخلق ويحجبون حتى من التنفس فلا يستطيع أحد أن يحرك شفتيه، ثم يقول ملك الملوك عزّت قدرته وتعالت عظمته: لله الواحد القهار الآية ١٦ من سورة المؤمن في ج ٢ ويقول جل قوله «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» بالله

<<  <  ج: ص:  >  >>