للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد قوله تعالى (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) الآية ٥٠ من آل عمران في ج ٣ يريد كله. وذلك لأنه لا يكون أحد من الكهنة والشياطين صادقا، وسيأتي في تفسير هذه الآية أن سيدنا عيسى لم يحل لهم كل ما حرم على بني إسرائيل، لهذا فإن تفسيرها على ما جرينا عليه أولى والله أعلم، ومن هنا الى آخر السورة نزل بالمدينة، وذلك أن جماعة ممن يقول الشعر من قريش كعبد الله بن الزبعرى السهمي وهبيرة بن أبي لهب المخزومي ومسافع بن عبد منات وابو عمر بن عبد الله الجحمي وأمية بن أبي الصلت الثقفي عليهم من الله ما يستحقون، صاروا يهجون حضرة الرسول ويقولون نحن نقول مثل ما يقول، وتبعهم في هذا السفهاء من قومهم.

[مطلب في الشعر مليحه من قبيحه والآيات المدنيات:]

ثم ان رجلين أحدهما من الأنصار تهاجيا فيما بينهما ومع كل واحد غواة من قومه، فأنزل الله فيهم «وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ» ٢٢٤ المغالون في الكذب والباطل وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب ومدح من لا يستحق المدح وذم من لا يستوجب الذم، يعني أن هذا الذي يقوله هؤلاء لا يستحسنه إلا المتوغلون في الضلالة المنهمكون في الغواية، «أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ» ٢٢٥ فيتحدثون في جميع أنواع الكلام وأبوابه مما مصدره اللغو في الباطل ويخوضون بما فيه الكذب والزور من البهت والافتراء، والهائم هو الذاهب على وجهه بلا قصد معين وهذا تمثيل لذهابهم في كل شعب من القول، فتراهم يفضلون الجاهل على العالم، والجبان على الشجاع، والبخيل على الكريم، والكاذب على الصادق، والخائن على الأمين، والقبيح على الصبيح، والرذيل على الجميل لأدنى لفتة من وجيه أو دانق من مال، فلهذا تراهم حائرين، وعن الطريق السوي حائدين، ولسبل الضلال رائدين، سمع سليمان بن عبد الملك قول الفرزدق:

فبتن بجانبيّ مضرجات ... وبت أفض أختام الحنان

فجاء به وقال وجب عليك الحد، قال ولم؟ قال لقولك هذا، قال قد درأه عني ربي. قال وبم؟ قال بقوله عز وجل «وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ» ٢٢٦ حيث وصفهم بالكذب وخلف القول والوعد، وان قولهم بهت، لأنه مباين

<<  <  ج: ص:  >  >>