للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإجرام، الذين تؤدي معاونتهم إلى إيقاع الجرم، ويجرونهم إلى الخطأ والهفوات.

واعلم انه عليه السلام انما عرف أن الله تعالى غفر له ولم يتنبأ بعد فبإلهام من الله قذف في روعه الشريف، وكان عمره إذ ذاك اثنتي عشرة سنة ومن كان في هذا السن لا يعاقب كما مر لك في الآية ١٩ من الشعراء، والمادة ٤٠ من قانون الجزاء تنص على هذا، وما قيل انه برؤيا رآها يستبعدها العطف بالفاء، ولمّا لم يستثنى ابتلاء الله ثانيا، قال تعالى «فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ» التي قتل فيها القبطي «خائِفاً يَتَرَقَّبُ» حلول المكروه من أولياء المقتول أو من فرعون، ويترصد الأخبار ليعرف هل وقف أحد على فعلته هذه أم لا، لأنه أمن من الجزاء المعنوي بمغفرة الله وبقي الجزاء الحسيّ وقد أشغل فكره ذلك، إذ صار يتوقع القبض عليه ويترقب المكروه في نفسه «فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ» يستغيث به عن بعد من قبطي آخر معه «قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ» أيها الاسرائيلي «لَغَوِيٌّ مُبِينٌ» ١٨ مظهر الغواية خال عن الرشد، إنّك قاتلت رجلا بالأمس فاستغثت بي عليه فقتلته بسببك، والآن تقاتل غيره؟

فقال إنه تعدى على أيضا مثل ذلك، وبما أنه عليه السلام يعلم كثرة تعدي القبط على الاسرائيليين فقد أخذته الغيرة وساقته الحمية على الاسرائيليين لأنهم من دمه، فظهر عليه الغضب السائق للانتقام «فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما» في الأصل وهو القبطي «قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ» كأنه توهم من قوله للإسرائيلي انك لغوي مبين أنه هو الذي قتل القبطي المار ذكره الذي لم يعرف قاتله لأنهم لما فقدوه تحروا عليه فوجدوه قد دسّ بالرمل، فأخذوه ولم يعرفوا قاتله. وهذا التفسير موافق لظاهر الآية وسياقها ولقوله تعالى «إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ» الجبار هو الذي يفعل الفعلة لا يخاف عقباها «وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ» ١٩ فيها بأن تدفع بالتي هي أحسن، لأنه يبعد على الاسرائيلي الذي انتصر له أولا وآخرا أن يقول في حق موسى هذا القول وهو وغيره، عرف أن ما حصل لهم من العزة والمكانة إلا بسبب وجوده، ويجدر بالقبطي

<<  <  ج: ص:  >  >>