للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال لأنه من الأشهر الحرم، وذو الحجة لوقوع الحج فيه، وكانوا يجرون حسابهم من عقود وغيرها بالأشهر العربية من رؤية هلال كذا الى رؤية هلال كذا، ولما كانت المواسم العربية لا تعين الشهور الأربعة لأنها تقع كلها بدوران السنين وكانوا بحاجة لمعرفة المواسم لزراعتهم اضطروا الى الاستعانة بالتقاويم الأجنبية القبطية والفارسية والسريانية والرومية التي مبناها على حركة الشمس، وصارت تبني حسابها عليها أيضا من جهة المواسم فقط، والحساب القبطي ينسب للملك دقلديانوس، والسرياني للاسكندر المقدوني، والرومي لأغسطس قيصر ملك الروم، وكذلك الفرس والسرياني فقد وضعهما لهما ملوكهما. هذا والله أعلم، راجع الآية ٢٧ من سورة يس المارة، وما ترشدك إليه فيما يتعلق في هذا البحث ومجرى الشمس والقمر وأيام السنين وغيرها. ولما ذكر الله تعالى أحوال آيتي الليل والنهار وأنهما دليلان من أدلة توحيده ونعمتان من نعمه على أهل الدنيا قال «وَكُلَّ شَيْءٍ» من أمور دينكم ودنياكم وما تحتاجونه في معاشكم ومعادكم «فَصَّلْناهُ» بيناه لكم «تَفْصِيلًا» ١٢ واضحا كافيا وشرحناه على لسان نبينا شرحا شافيا لا التباس فيه ولا شك ولا شبهة، إذ أظهرنا لكم كل ما تفتقرون إليه فلم نبق لكم حجة تحتجون بها، قال تعالى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) الآية ٤٩ من سورة النحل ج ٢، وقال تعالى (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)

الآية ١١٣ من النساء في ج ٣، فتبين في هذا أن هذا القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلّى الله عليه وسلم يهدي للتي هي أقوم، قال تعالى «وَكُلَّ إِنسانٍ» ذكر أو أنثى كبيرا أو صغيرا، لأن النكرة المضافة تكون بمثابة العموم، وجاءت من باب التغليب، وإلا فيقال إنسانة، قال:

إنسانة فتّانة ... بدر الدجى منها خجل

«أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ» شؤمه وسعده الذي هو نتيجة عمله في دنياه من خير أو شر، وهو نصيبه وحظه الذي قسمناه له في الأزل مما يتشاءم أو ينفاءل فيه وطوقناه «فِي عُنُقِهِ» كالقلادة، وخصّ العنق لأنه مما يزين أو يشين، فإن كان عمله صالحا كان زينة له كالحلى، وإن كان طالحا كان مشينا كالغل، أعاذنا الله، ومعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>