للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان المسلمون إذا بطل الوحي يقولون: هلّا نزل شيء، تأميلا أن تنزل عليهم بشرى من الله وفتح وخير وتخفيف فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ أي محدثة. وسميت المحدثة: محكمة، لأنها حين تنزل تكون كذلك حتى ينسخ منها شيء. وهي في حرف عبد الله فإذا أنزلت سورة محدثة وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ، أي فرض فيها الجهاد رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي شك ونفاق يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون نظرا شديدا بتحديق، وتحديد، كما ينظر الشّاخص ببصره عند الموت، من شدّة العداوة. والعرب تقول:

رأيته لمحا باصرا أي نظرا صلبا بتحديق. ونحوه قوله: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ [القلم: ٥١] ، أي يسقطونك بشدة نظرهم، وقد تقدم ذكر هذا.

ثم قال: فَأَوْلى لَهُمْ تهدّد ووعيد. وتمّ الكلام، ثم قال: طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ وهذا مختصر، يريد قولهم قبل نزول الفرض: سمع لك وطاعة.

فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ، أي جاء الجدّ كرهوا ذلك، فحذف الجواب على ما بينت في باب الاختصار.

ثم ابتدأ فقال: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ. ثم قال: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ، أي انصرفتم عن النبي، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ، يريد فهل تريدون إذا أنتم تركتم محمدا، صلّى الله عليه وسلم، وما يأمركم به- أن تعودوا إلى مثل ما كنتم عليه من الكفر، والإفساد في الأرض وقطع الأرحام؟

[في سورة ق]

وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٤) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) [ق: ٢١، ٢٩] .

السائق هاهنا: قرينها من الشياطين، سمّي سائقا، لأنه يتبعها وإن لم يحثّها ويدفعها. وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلم، يسوق أصحابه، أي يكون وراءهم.

والشّهيد: الملك الشاهد عليها بما عملت.

يقول الله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا في الدنيا. فَكَشَفْنا عَنْكَ

<<  <   >  >>