للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما خصّ الصلاة والزكاة بالذكر مع اندراجهما في الصالحات، للإشعار بأنّ لهما من المنزلة في الإسلام ما ليس لغيرهما، ولذلك ورد ذكرهما في القرآن مرّات عديدة كما جاءت الآثار بفضلهما، وتفوقهما على غيرهما.

قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١) يبين الله تعالى في الآية السابقة أن من انتهى عن الربا فله ما سلف، فربما يظنّ أنّه لا فرق بين المقبوض منه، وبين الباقي في ذمة القوم، فقال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ: أي اتخذوا وقاية من عذاب بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا أي ما كان لكم في ذمة القوم من الزيادة المحرمة إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي متّصفين بالإيمان الذي الشأن فيمن اتّصف به الانقياد والاستسلام. أي إن كنتم عاملين بمقتضى إيمانكم.

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ما أمرتكم به من الاتقاء، وترك ما بقي من الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي عقاب شديد من نوع الحروب، فإنّ الإصرار على عمل الربا إن كان من شخص يقدر الإمام عليه قبض عليه وأجري عليه حكم الله: من التعزير والحبس، إلى أن تظهر منه التوبة.

وإن كان له عسكر وشوكة حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية، وكما حارب أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة، ولا عجب في ذلك، فإنّ الفقهاء نصوا على أنه لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان أو ترك دفن الموتى: فإنه يحاربهم الإمام. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من عامل بالربا يستتاب. فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

قيل: التعبير بالحرب للتهديد والتخويف بعقابه الشديد، فإنّه قد عهد التعبير بالحرب في معنى العقاب الشديد، كما

ورد «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» «١» .

وقوله: فَأْذَنُوا فاعلموا وأيقنوا بحرب: من أذن يأذن. من باب (طرب) .

وَإِنْ تُبْتُمْ أي: امتثلتم أمر الله تعالى فليس لكم إلا رؤوس أموالكم لا تَظْلِمُونَ المحتاجين بأخذ أموالهم من غير عوض وَلا تُظْلَمُونَ أنتم بضياع رؤوس أموالكم.


(١) رواه البخاري في الصحيح (٧/ ٢٤٣) ، ٨١- كتاب الرقاق، ٣٨- التواضع حديث رقم (٦٥٠٢) .

<<  <   >  >>