للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالث وهو الكلالة، لأن الاتصال فيه ليس ابتداء، بل بواسطة، ولأن القسمين الأولين لا يعرض لهما السقوط بحال، بخلاف القسم الثالث، فإنه قد يعرض له السقوط بالكلية.

وقد جعل الله للزّوج النصف من زوجته إن لم يكن لها ولد، وجعل له الربع منها إن كان لها ولد، سواء أكان ذلك الولد منه أم من غيره، وسواء في ذلك الذكر والأنثى، والواحد والمتعدد، والمباشر وولد الولد.

وجعل ميراث الزوجة من زوجها الربع إن لم يكن للزوج ولد، وجعل لها الثمن إن كان له ولد على التعميم السابق، فإن تعددت زوجات الميت اشتركن في الربع، أو في الثمن.

وهذا كله من بعد الوصية والدّين كما تقدم.

[ميراث الكلالة]

قال الله تعالى: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.

اختلف الصحابة رضوان الله عليهم في الكلالة. فذهب أبو بكر إلى أنّها من عدا الوالد والولد، أخرج ابن جرير «١» عن الشعبي، قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: إني رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله منه بريء. إن الكلالة ما خلا الوالد والولد.

وذهب عمر إلى أنها من عدا الولد، وروي أنّ عمر رجع عن ذلك بعد أن طعن، وقال: كنت أرى أن الكلالة من لا ولد له، وأنا أستحيي أن أخالف أبا بكر، الكلالة من عدا الوالد والولد.

وروي عنه أيضا التوقف، وكان يقول: ثلاثة لأن يكون بيّنها الرسول صلّى الله عليه وسلّم لنا أحب إليّ من الدنيا وما فيها: الكلالة، والخلافة، والربا، ويظهر أنّ حجة عمر رضى الله عنه أن الله ذكر الكلالة في آخر السورة فقال: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: ١٧٦] والظاهر أن قوله: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ تفسير للكلالة، والراجح قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ويدلّ على ذلك اشتقاق الكلمة فإنّ مادة (كلّ) تدل على الضعف، يقال: كلّ الرجل يكلّ كلالا وكلالة إذا أعيا، وذهبت قوته، ثم استعاروا هذا اللفظ للقرابة، لا من جهة الولادة أي القرابة الضعيفة، وقد علمت أنّ القرابة بالولادة قوية، فلا يطلق عليها كلالة، ويدل على ذلك أنّ الله حكم بتوريث


(١) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٤/ ١٩٢) .

<<  <   >  >>