للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اعتنى القرآن بشأن الأمانة، وبيّن خطرها وعظيم قدرها في مواضع كثيرة، فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ [الأحزاب: ٧٢] وقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) [المؤمنون: ٨] وقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال: ٢٧]

وقال عليه الصلاة والسلام: «لا إيمان لمن لا أمانة له» «١»

وقال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم: من إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» .

قد رأيت أنّ الأمانات عامة واجبة الأداء، لا فرق بين واحدة منها وواحدة، ولا بدّ من دفعها إلى أهلها عند طلبهم إياها، وأما حكم الأمانة في حال الهلاك، وأنها مضمونة أو غير مضمونة، أو بعضها مضمون وبعضها الآخر غير مضمون، فنحن لا نعرض له، لأنّا نراه لا يتصل بالآية، ومردّه إلى أدلته في كتب الفقه.

وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ.

إقامة العدل بين الناس أمر تقتضيه طبيعة العمران، وتشهد به بداية العقول، ولا بد للمجتمع الإنساني منه، حتّى يأمن الضعيف سطوة القوي، ويستتبّ الأمن والنظام بين النّاس.

ومن أجل هذا تجد الشرائع السماوية تنادي بوجوب إقامة العدل، قال تعالى في كتابه الحكيم: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ [النحل: ٩٠] وقال: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى

[الأنعام: ١٥٢] وقال: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة: ٨] وقال: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص: ٢٦] .

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أنس عنه: «لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت، وإذا حكمت عدلت. وإذا استرحمت رحمت» .

وقد ذمّ الله الظلم والظالمين في آيات كثيرة قال: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ [الصافات: ٢٢] وقال: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم: ٤٢] وقال في عاقبة الظلم: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل: ٥٢] ومن الظلم الحكم بغير ما أنزل الله.

وقوله تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ مشعر بأنّه لا بدّ للناسي أن يوجد فيهم من يحكم بينهم. وقد دلت الأدلة على أنّ الحكم لإمام المسلمين، يقضي بين الناس بما يراه موافقا للشرع فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) [النساء: ٦٥] .


(١) رواه أحمد في المسند (٣/ ١٣٥) .

<<  <   >  >>