للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدية: قال الواحدي: الدية من الودي كالشية من الوشي، والأصل ودية، فحذفت الواو، يقال ودى فلان فلانا أدى ديته إلى وليه، ثم إنّ الشرع خصّص هذا اللفظ بما يؤدّى في بدل النفس دون ما يؤدّى في بدل المتلفات، ودون ما يؤدّى في بدل الأطراف.

وقوله: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً.

معناه: وما كان جائزا لمؤمن قتل مؤمن إلا خطأ، والاستثناء فيه قيل: إنه منقطع بمعنى لكن، كقوله: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً [النساء: ٢٩] وقيل: إنه متصل، وهو مستثنى مما يستلزمه وقوع المنهي عنه من الإثم، كأنّه قيل: لا يقتل المؤمن المؤمن فإنه إثم، إلا الخطأ فلا إثم عليه.

وقيل: إنّ في الكلام تقديما وتأخيرا، والأصل: وما كان مؤمن ليقتل مؤمنا إلا خطأ، كقوله: ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ [مريم: ٣٥] وقوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها [النمل: ٦٠] .

وإنما حملت هاتان الآيتان على خلاف الظاهر، لأنّ الله لا يحرم عليه شيء، وإنما ينفى عنه ما لا يليق به، ولأنّ الله لم يحرّم عليهم أن ينبتوا شجرها، وإنما ينفي عنهم إمكان أن ينبتوا شجرها، والذي حدا بالقائلين إنه استثناء منقطع إلى القول به أنه لو كان متصلا، وما قبله نفي لجواز القتل، لكان مقتضيا أنّ القتل خطأ جائز.

وانتصاب خطأ إما على أنه مفعول لأجله، أي ما كان له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ، أو على أنّه صفة لمصدر محذوف، أي قتلا خطأ، أو على أنه حال بتأويله بمخطئ.

ثم لما ذكر الله قتل الخطأ بيّن حكمه فقال: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ أي فعليه تحرير رقبة، ودية مسلمة إلى أهله، إلا أن يصدقوا بالدية، أي إلا أن يعفوا، وسمي العفو صدقة، لأنه معروف،

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ معروف صدقة» «١» .

وسبب نزول هذه الآية ما كان من عيّاش بن أبي ربيعة، أخرج ابن جرير «٢» عن السدي وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً قال: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزومي، وكان أخا لأبي جهل بن هشام لأمه، وإنه أسلم وهاجر في المهاجرين الأولين قبل قدوم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فطلبه أبو جهل والحارث بن هشام، ومعهما رجل


(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٦٩٧) ، ١٢- كتاب الزكاة، ١٦- باب بيان أن اسم الصدقة حديث رقم (٥٢/ ١٠٠٥) .
(٢) في تفسيره جامع البيان المشهور بتفسير الطبري (٥/ ١٢٩) .

<<  <   >  >>