للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثالث: أن الخبر (عند الله) ، و (للمشركين) حينئذ متعلّق بمحذوف حال من (عهد) أو متعلق بيكون كما تقدم، أو بالاستقرار الذي تعلّق به الخبر، ولا يضرّ تقديم معمول الخبر على الاسم لكونه حرف جر. و (كيف) على الوجهين الثاني والثالث نصب على التشبيه بالظرف أو الحال، كما في صورة الكون التام، والمراد بالمشركين الناكثون للعهد، لأنّ البراءة إنما هي في شأنهم.

والعهد: ما يتفق رجلان أو فريقان من الناس على التزامه بينهما لمصلحتهما المشتركة، فإن أكّداه ووثقاه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به سمي ميثاقا، وهو مشتق من الوثاق بالفتح، وهو الحبل والقيد. وإن أكّداه باليمين خاصّة سمي يمينا، وقد يسمّى بذلك لوضع كل من المتعاقدين يمينه في يمين الآخر عند عقده.

وفي توجيه الإنكار إلى كيفية ثبوت العهد من المبالغة ما ليس في توجيهه إلى ثبوته لأنّ كل موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال قطعا. فإذا انتفت جميع أحوال وجوده، فقد انتفى وجوده على الطريق البرهاني: أي على حال. أو في أي حال يوجد لهم عهد معتدّ به عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ يستحق أن تراعى حقوقه، ويحافظ عليه إلى إتمام المدة، ولا يتعرض لهم بسببه قتلا ولا أخذا، وتكرير كلمة (عند) للإيذان بعدم الاعتداد به عند كل من الله تعالى ورسوله على حدة.

والمعنى: بأية صفة وأية كيفية يثبت للمشركين عهد من العهود عند الله يقره لهم في كتابه وعند رسوله صلّى الله عليه وسلّم يفي لهم به، وتفون به أيها المؤمنون اتباعا له صلّى الله عليه وسلّم، وحالهم الذي بينتها الآية التالية تأبى ثبوت ذلك لهم إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، في هذا الاستثناء وجهان:

أحدهما: أنه منقطع، أي لكن الذين عاهدتم إلخ.

والثاني: أنه متصل، وفيه حينئذ احتمالان: أحدهما: أنه منصوب على أصل الاستثناء من (المشركين) والثاني أنه مجرور على البدل منهم، لأنّ معنى الاستفهام المتقدم نفي، أي ليس يكون للمشركين عهد إلا الذين لم ينكثوا.

وعلى أنه منقطع فالذين مبتدأ خبره جملة (فما استقاموا) ، وهؤلاء المعاهدون المستثنون هنا هم المذكورون سابقا في قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً إلخ [التوبة: ٤] وإنما أعيد ذكر استثنائهم لتأكيده بشرطه المتضمن لبيان السبب الموجب للوفاء بالعهد. وهو أن تكون الاستقامة عليه مرعية من كل واحد من الطرفين المتعاقدين إلى نهاية مدته.

وهذا زائد على ما هنالك من وصفهم بأنه لم ينقصوا من شروط العهد شيئا، ولم يظاهروا على المسلمين أحدا، واعلم أن قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ

<<  <   >  >>