للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عند ولادته، وكان العرب إذا أرادوا ذبح ما قربوه لأصنامهم سمّوا باسم أصنامهم، وجهروا بذلك، وجرى ذلك من أمرهم، حتى قيل لكل ذابح مهلّ. سمّى أو لم يسمّ، جهر أو لم يجهر. فمعنى وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ما ذبح لغير الله.

اضْطُرَّ افتعل، من الضرورة: أي حلت به الضرورة إلى أكل ما حرم.

المعنى: يا أيها الذين صدّقوا بالله: أطعموا من حلال الرزق الذي أحللناه لكم، فطاب بذلك التحليل، وكنتم حرمتموه على أنفسكم، ولم أحرمه عليكم: من البحائر، والسوائب، وما إليها، وأثنوا على الله من أجل النعم التي رزقكموها، وأحلّها لكم إن كنتم منقادين له، ومطيعين إياه.

إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ. لم يحرّم عليكم إلا الميتة والدم ولحم الخنزير وما ذبح لغير الله، وما ذكر عليه اسم غير الله، فمن حلّت به ضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرّمات، لا باغيا ولا عاديا، أي غير باغ بأكله ما حرّم عليه، ولا عاد في أكله، بألا تكون له مندوحة بوجود ما أحلّه الله، فلا تبعة عليه في الأكل، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لكم ما كان منكم في الجاهلية من تحريم ما لم يحرمه الله.

وقد ورد التحريم في هذه الآية مسندا إلى أعيان الميتة والدم إلخ. وقد اختلف في مثله: أيكون مجملا أم لا؟ فذهب الكرخي «١» إلى أنه يكون مجملا، وحجته فيه أنّ الأعيان ليست من فعل العبد، والتحريم لا يتعلّق إلا بما هو من فعله، فلا بدّ أن تقدّر فعلا، وليس بعض الأفعال أولى من بعض بالتقدير، فلذلك يكون مجملا.

وذهب غيره من العلماء إلى أنه لا يكون مجملا، لأنّ العرف يعيّن الفعل المراد فيما ورد من ذلك، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنّ الفعل المراد هنا هو الانتفاع، فيفيد حرمة جميع التصرفات إلا ما أخرجه الدليل. ولذلك تجد كثيرا من العلماء يستدلّ بهذه الآية على حرمة وجوه من الانتفاع بها. والذي ينساق إليه الذهن أن الفعل المراد هنا هو الأكل، فالمعنى إنما حرّم عليكم أكل الميتة. بدليل أن الكلام فيه، ففي سابقه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وفي لاحقه فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ويدعم هذا ما

ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في خبر شاة ميمونة «إنما حرم من الميتة أكلها» «٢»

فإذا وردت أحاديث تدلّ على حرمة وجوه أخرى من الانتفاع بالميتة كانت الحرمة مأخوذة من تلك الأحاديث لا من هذه الآية.


(١) عبيد الله بن الحسين بن دلّال، شيخ الحنفية ومفتي العراق أصيب في الفالج. توفي سنة (٣٤٠) انظر سير أعلام النبلاء للذهبي (١٢/ ٨٨) ترجمة (٣٠٨٥)
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٢٧٦) ، ٣- كتاب الحيض، ٢٧- باب طهارة جلود الميتة حديث رقم (١٠٠/ ٣٦٣) . [.....]

<<  <   >  >>