للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد وصف بالمسكنة من له سفينة من سفن البحر، ولم نجد في كتاب الله ما يدل على أن الفقير يملك شيئا، فكان الفقير أسوأ حالا من المسكين.

خامسها: نقل الشافعي وابن الأنباري وخلائق من أهل اللغة أن المسكين الذي له ما يأكل، والفقير الذي لا شيء له، وحجة الحنفية وموافقيهم وجوه:

الأول: ما نقل عن الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء ويونس وغيرهم من أهل اللغة أنّ المسكين أسوأ حالا من الفقير.

والثاني: قوله تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) [البلد: ١٦] أي ألصق جلده بالتراب ليواري به جسده، وألصق بطنه به لفرط الجوع، فإنه يدل على غاية الضرر والشدة، ولم يوصف الفقير بذلك.

والثالث: أن المسكين هو الذي يسكن حيث يحل، لأجل أنه ليس له بيت يسكن فيه، وذلك يدل على نهاية الضرر والبؤس.

وإذا تأملت في أدلة الطرفين علمت أن لا مقنع في دليل منها إلا في أدلة النقل عن أهل اللغة، والنقلان متعارضان، وأيّا ما كان الأمر فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان. وروي عن أبي يوسف ومحمد أنهما صنف واحد، واختاره الجبائي، ويكون العطف بينهما لاختلاف المفهوم.

وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أوصى لفلان وللفقراء والمساكين، فمن قال: إنهما صنف واحد جعل لفلان نصف الموصى به، ومن قال: إنهما صنفان جعل له الثلث من ذلك.

واقتضى ظاهر الآية جواز دفع الزكاة لمن شمله اسم الفقير والمسكين، سواء في ذلك آل البيت وغيرهم، وسواء الأقارب والأجانب، والمسلمون والكفار، إلا أنّ الأحاديث الصحيحة قيّدت هذا الإطلاق،

ففي الصحيحين «١» من رواية ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فاقتضى ذلك أن الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين، فلا يجوز دفع شيء من الزكاة إلى كافر سواء في ذلك الفطرة وزكاة المال.

وحكى النووي في مجموعه عن ابن المنذر أن أبا حنيفة رضي الله عنه يجيز دفع الزكاة إلى الكفار.

وكذلك لا يجوز دفعها إلى من تلزم المزكي نفقته من الأقارب والزوجات من


(١) رواه مسلم في الصحيح (١/ ٥٠) ، ١- كتاب الإيمان، ٧- باب الدعاء حديث رقم (١٩٢٩) ، والبخاري في الصحيح (٢/ ١٦٥) ، ٢٤- كتاب الزكاة، ٦٣- باب أخذ الصدقة حديث رقم (١٤٩٦) .

<<  <   >  >>