للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتبقى طائفة ليتفقهوا في الدين، فضمير يتفقهوا وينذروا يعود إلى الطائفة الباقية.

ورواية مجاهد تجعل النفر المنهي عنه هو خروجهم جميعا لطلب العلم والتفقه في الدين، نهوا عن ذلك لما فيه من الإخلال بتعاطي أسباب الكسب والابتغاء من فضل الله وخيره بالتجارة والزراعة ووسائل الكسب، فكما أنّ طلب العلم ومعرفة الحلال والحرام من فرائض الدين، كذلك ابتغاء فضل الله بهذه الوسائل من فرائض الدين، فلا ينبغي أن تكون إحدى العبادتين سببا في الإخلال بالأخرى، والجمع بينهما ميسور بأن تنفر من كل فرقة طائفة لتتفقه في الدين، وتعلّم قومها إذا رجعت إليهم، وهذا المعنى هو مقتضى ظاهر الآية، واتساقها، فإنّ النفر على هذا المعنى يكون علة للتفقه في الدين، والطائفة النافرة هي التي تتفقه في الدين، وهي التي تنذر قومها إذا رجعت إليهم. لكن يعكر على هذا المعنى أنّ الآية تكون منقطعة عما قبلها، فإنّ ما قبلها وارد في شأن الجهاد والغزو في سبيل الله، ونصرة دينه، إلا أن يقال: إنه سبحانه وتعالى لما بيّن وجوب الهجرة والجهاد، وكل منهما سفر لعبادة، ناسب ذلك أن يذكر السفر الآخر وهو الهجرة لطلب العلم والتفقه في الدين، والآية على كلا الرأيين تدلّ على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية.

وما

روي عن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»

فعلى تسليم صحته يكون محمولا على ما يتوقف عليه أداء الفرائض، فمن لا يعرف حدود الصلاة ومواقيتها فحتم عليه أن يتعلمها، وكذلك الزكاة والصوم والحج وسائر الفروض.

أما ما سوى ذلك من الأحكام الدينية التي لا تتوقف عليها صحة عبادته فتعلمها فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الباقين.

وتدلّ الآية أيضا على أنّ خبر الواحد حجة، لأنّ الطائفة مأمورة بالإنذار، والإنذار يقتضي فعل المأمور به، وإلا لم يكن إنذارا، ولأنّه سبحانه أمر القوم بالحذر عند الإنذار، لأن معنى قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ليحذروا.

وليس الاستدلال بالآية على حجية خبر الواحد متوفقا على أنّ الطائفة تصدق على الواحد الذي هو مبدأ الأعداد، بل يكفي في ذلك صدقها على ما لم يبلغ حدّ التواتر.

وقوله تعالى: مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ عام يقتضي أن ينفر من كل جماعة تفردوا بقرية- قلوا أو كثروا- طائفة.

<<  <   >  >>