للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإيمان، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «فإن عادوا فعد» فنزلت هذه الآية «١» .

وقد قالوا: إن هذا أصل في جواز إظهار الكفر في حال الإكراه وقالوا أيضا: إنّ الإكراه الذي يبيح ذلك هو أن يبلغ حدّا يخاف معه على نفسه أو بعض أعضائه التلف. إن لم يفعل ما أمر به، فأبيح له في هذه الحالة أن يظهر الكفر.

وقد قالوا: يجب أن يجنح إلى التعريض فيما أمر به ما أمكنه، فإن ضيّق عليه حتى لم يكن للتعريض سبيل وسعه أن يفعل، فإن خطر بباله التعريض ولم يعرّض كان كافرا. وأما إن لم يخطر بباله شيء من ذلك بأن كان همه أن يخرج من الإكراه، وانحصر فكره في ذلك فلا شيء عليه.

وحكم هذا الترخيص للإكراه كما يجري في الكفر يجري في غيره، غير أنه إذا أكره على قتل إنسان لا يجوز له أن يفعل، وهناك أمور يجب عليه فيها أن يفعل، فإن لم يفعل كان آثما- وهي مبيّنة في الفقه، وفي الأصول عند الكلام على أقسام الرخصة- والذي يعنينا هنا هو الإكراه على الكفر ما حكمه، فقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم عمارا أن يعود إلى مجاراتهم في القول إن عادوا إلى إكراهه، فما موجب الأمر؟

قالوا: إنه للإباحة، والصارف له عن الوجوب ما روي عن خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أراد أهل مكة أن يقتلوه، لأنه لم يعطهم التقية، بل صبر حتى قتل، فكان عند النبي صلّى الله عليه وسلّم خيرا من عمار في إعطائه التقية، أضعف إلى ذلك أنّ في الصبر على المكروه إعزازا للدين، وغيظا للمشركين، فهو بمنزلة من قاتل المشركين حتى قتل، فتأثير الإكراه في هذه الصورة إنما هو إسقاط المأثم فقط.

وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» «٢»

فألحق المكره بالمخطئ والناسي.

وقد وقع خلاف بين الفقهاء في طلاق المكره وعتاقه ونكاحه وأيمانه، فذهب الحنفية إلى أنّ الطلاق ونحوه يلزمه، لأن الطلاق يعتمد الاختيار، والإكراه ينفي الرضا، ويحقق الاختيار. وغيرهم يذهب إلى عدم لزومه، استدلالا بالحديث المتقدم والحنفية يحملونه على رفع الحكم الأخروي وهو المأثم، والكلام مستوفى في الفقه، فارجع إليه إن شئت.

ومسألة طلاق المكره مسألة خلافية من الصدر الأول، فقد روي القول بالوقوع عن علي وعمر وسعيد بن المسيب وشريح وإبراهيم النخعي والزهري وقتادة.


(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (١٤/ ١٢٢) .
(٢) سبق تخريجه، بلفظ (إنّ الله تجاوز) بدل (رفع عن أمتي) .

<<  <   >  >>