للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحكام مكلّفون أن يجلدوا من زنى من ذكر أو أنثى مئة جلدة، سواء المحصن منهم وغيره. لكنّ السنة القطعية فرّقت في الحد بين المحصن وغير المحصن. وأجمع الصحابة رضي الله عنهم ومن تقدّم من السلف وعلماء الأمة، وأئمة المسلمين على أن من زنى وهو محصن فإنّه يرجم حتى يموت، ولا نعلم خلافا في ذلك لأحد إلا بعض المبتدعة من الخوارج، فإنّهم قالوا: إن الرجم غير مشروع، وإنه لا فرق في الحدّ بين المحصن وغير المحصن، وسنبيّن فساد مذهبهم إن شاء الله.

والقائلون بأن الرجم مشروع قد اختلفوا فيه، أهو تمام ما على المحصن من العذاب، أم هو والجلد قبله حد المحصن.

فإلى الأوّل ذهب جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، وإلى الثاني ذهب علي رضي الله عنه وإسحاق وأهل الظاهر، وهو رواية عن أحمد رحمه الله.

فعلى رأي الجمهور يكون المراد بالزانية في الآية الكريمة البكرين، وتكون الآية مخصوصة بالسنة القطعية، أو بالآية المنسوخة التلاوة «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله» على كلام فيها.

وعلى رأي أهل الظاهر، تكون الآية باقية على عمومها، ويكون الرجم حكما زائدا في حقّ المحصن ثبت بالسنة.

والظاهر أيضا من قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ أنّه يشمل الرقيق وغيره، فيكون الحدّ في الجميع واحدا، لكن قوله تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ أخرج الإماء من هذا الحكم، فإنّ الآية نزلت فيهن، وكذلك أخرج العبيد، لأنّه لا فرق بين الذكر والأنثى بتنقيح المناط.

وقال بعض أهل الظاهر عموم قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي يقتضي وجوب المائة على العبد والأمة، إلا أنه ورد النص بالتنصيف في حق الأمة، فلو قسنا العبد عليها لزم تخصيص عموم الكتاب بالقياس، يعني وهم لا يقولون به.

ومن الظاهرية من قال: الأمة إذا تزوجت فحدّها في الزنى خمسون جلدة لقوله تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ إلخ. فإذا لم تتزوج فحدّها مئة جلدة للعموم في كلمة الزَّانِيَةُ.

وجمهور الفقهاء على رد هذين الرأيين بما سلف لك هنا وفي سورة النساء.

وكذلك عموم قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إلخ يشمل المسلم والكافر. غير أن الحربي لما يلتزم أحكامنا، ولم تنله يدنا كان خارجا من هذا الحكم، وبقي العموم فيمن عداه من المسلمين وأهل الذمة. وبهذا قال جمهور الفقهاء.

وروي عن مالك رحمه الله أن الذمي لا يجلد إذا زنى، قيل: وهو مبنيّ على أنّ الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة.

<<  <   >  >>