للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحد عبده وأمته في الزنى والخمر والقذف. وللشافعي في السرقة قولان، والإمام أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر يقولون لا يملك السيد أن يقيم حدا ما.

احتجّ مالك والشافعي بما

أخرجه الستة «١» غير النسائي من قوله صلّى الله عليه وسلّم في الأمة: «إن زنت فاجلدوها» الحديث،

وبما روى مسلم وأبو داود والنسائي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم من أحصن ومن لم يحصن» «٢» .

وبما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقام حدا على بعض إمائه، فجعل يضرب رجليها وساقيها، فقال له سالم رحمه الله: أين قول الله تعالى:

وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ؟ فقال: أتراني أشفقت عليها، إنّ الله لم يأمرني أن أقتلها.

ولم يكن ابن عمر واليا ولا نائبا عن وال. وبأنّ الإمام لما ملك إقامة الحد على العبد كان السيد بإقامته أولى، لأن تعلّق السيد بالعبد أقوى من تعلق الإمام بالرعية، إن الملك أقوى من عقد البيعة، وإقامة الحد من السيد إنما هي بطريق الملك لغرض الاستصلاح كالحجامة والفصد.

واحتج الحنفية بأنّ قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ عامّ في كل زان وزانية، والخطاب فيه لا شك أنه خطاب مع الأئمة دون سائر الناس، ولم يفرّق في المحدودين بين الأحرار والعبيد «٣» ، فوجب أن تكون إقامة الحد على الأحرار وعلى العبيد للأئمة دون سائر الناس.

ثم أجاب الحنفية عن الأحاديث التي يفيد ظاهرها إثبات حد الأرقاء لمواليهم بأن المراد أن الموالي يرفعون أمر عبيدهم إلى الحكام ليجلدوهم ويقيموا الحد عليهم، وجلد ابن عمر بعض إمائه إن صحّ كان رأيا له لا يعارض العموم في الآية.

[حكم اللواط والسحاق وإتيان البهائم]

قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ فخصّ هذا الحكم بالزنى، ومعلوم أنّ العرف واللغة يفرّقان بين الزنى واللواط والسحاق وإتيان البهائم، فليس واحد من هذه الثلاثة الأخيرة داخلا في حكم الآية.

ولما نقل عن الشافعي في أصح قوليه: إن حكم اللواط كحكم الزنى قال بعض أصحابه: إن اللواط زنى، لأنّه مثل الزنى في الصورة وفي المعنى، فيكون اللائط زانيا فيدخل في عموم الآية.


(١) سبق تخريجه.
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٣/ ٣٣٠) ، ٢٩- كتاب الحدود، ٧- باب تأخير الحد رقم (١٧٠٥) .
(٣) هذا كلام فيه وهم، انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني (١/ ٣٨٤) .

<<  <   >  >>