للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مستحبّ لا واجب، والمقصود من حضورهم إعلان إقامة الحد للتنكيل وللعبرة والموعظة.

واختلف العلماء في هذه الطائفة: فعن مجاهد والنخعي وأحمد: هي في الآية واحد. وقال عطاء وعكرمة وإسحاق: اثنان فصاعدا، وهو القول المشهور لمالك وقال قتادة والزهري: ثلاثة فصاعدا، وعن الشافعي وزيد أربعة بعدد شهود الزنى، وقال الحسن: عشرة، وعن ابن عباس الطائفة: الرجل فما فوقه إلى أربعين رجلا من المصدقين بالله، وأولى الأقوال بالصواب أنّ المراد بالطائفة هنا جماعة يحصل بهم التشهير والزجر، وتختلف قلة وكثرة بحسب اختلاف الأماكن والأشخاص.

وفي قوله تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما.. دليل على أنّ هذا الحد عقوبة لا استصلاح من قبل أنّه سماه عذابا، ولو كان الغرض منه الاستصلاح لكان الأولى به أن يسمّى تأديبا، ويمكن أن يراد من العذاب ما يمنع من المعاودة كالنكال، فيصح أن يكون الغرض منه الاستصلاح.

[الكلام في نكاح الزناة والمشركين]

قال الله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (٣) الظاهر أنّ المراد من النكاح هنا العقد، لأنّ أكثر استعماله في لسان الشرع بمعنى العقد، بل قال الزجّاج وغيره: إنه لم يرد في كتاب الله إلا بهذا المعنى.

وظاهر أيضا أن كلّا من الجملتين خبر، وأنّ معناهما أنّ الزاني لا يتزوج إلا زانية أو مشركة، وأن الزانية لا يتزوجها إلا زان أو مشرك، ولو أجرينا هذين الخبرين على ظاهرهما كانا غير مطابقين للواقع، فإنّا نرى الزاني قد يتزوج المؤمنة العفيفة، والزانية قد يتزوجها المؤمن العفيف. فكان إجراء الجملتين على ظاهر هما مشكلا، وللعلماء في حلّ هذا الإشكال تأويلات منها القوي، ومنها الضعيف، وسنذكرها مرتبة على حسب ترتيبها في القوة فيما نرى.

١- إن الكلام نهي جيء به في صورة الخبر للمبالغة، ويؤيده قراءة عمر بن عبيد لا يَنْكِحُ بالجزم، ويكون التحريم على ظاهره، والإشارة إلى النكاح المفهوم من الفعل، وكان الحكم كذلك في صدر الإسلام، ثم نسخ.

قال سعيد بن المسيب: كان الحكم عاما في الزناة ألا يتزوج أحدهم إلا زانية، ثم جاءت الرخصة، ونسخ ذلك بقوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ والزانية من أيامى

<<  <   >  >>