للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء» فجاءت به كذلك، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لولا ما مضى من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن» .

وقيل: إنها نزلت في عاصم بن عدي، وقيل: إنها نزلت في عويمر بن نصر العجلاني، وفي «صحيح البخاري» ما يشهد لهذا القول، بل قال السّهيلي: إنه هو الصحيح، ونسب غيره إلى الخطأ.

ونحن ندع الخلاف في سبب النزول جانبا، والذي يهمنا من ذلك أن جميع الروايات متفقة على ثلاثة أمور:

أولها: أن آيات اللعان نزلت بعد آية قذف المحصنات بتراخ، وأنها منفصلة عنها.

والثاني: أنهم كانوا قبل نزول آيات اللعان يفهمون من قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الآية أنّ حكم من رمى الأجنبية وحكم من رمى زوجته سواء.

والثالث: أنّ هذه الآية نزلت تخفيفا على الزوج، وبيانا للمخرج مما وقع فيه مضطرا.

ونريد أن نبيّن علاقة آيات اللعان بآية القذف، فقواعد أصول الحنفية تقضي بأنّ آيات اللعان ناسخة للعموم في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ لتراخي نزولها عنها.

وعلى ذلك يكون ثبوت الحد على من قذف زوجته منسوخا إلى بدل بيّنته آيات اللعان، وليس في هذه الآيات حكم يتعلق بقاذف زوجته أكثر من أنه يلاعن.

وسائر الأئمة غير الحنفية يقولون: إن آيات اللعان جعلت قاذف زوجته إذا لم يأت بأربعة شهداء- مخيّرا بين أن يلاعن أو يقام عليه الحد، فتكون آيات اللعان مخصّصة لعموم قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ويكون نظم الآيتين هكذا: كلّ من قذف محصنة ولم يأت بأربعة شهداء. فموجب قذفه الحد لا غير، إلا من قذف زوجته، فموجب قذفه إياها الحد أو اللعان.

ولعلّك تقول: لماذا كان حكم قاذف زوجته مخالفا لحكم قاذف الأجنبية، وما السرّ في أنه قد جاء هكذا مخففا؟

والجواب ببيان حكمة مشروعية اللعان، وذلك أنّه لا ضرر على الزوج في زنى الأجنبي، والأولى له ستره، وأما زنى زوجته فيلحق به العار وفساد النسب، فلا يمكنه الصبر عليه، ومن الصعب عليه جدا أن يجد البينة، فتكليفه إياها فيه من العسر والحرج ما لا يخفى.

وأيضا فإنّ الغالب أنّ الرجل لا يرمي زوجته بالزنى إلا عن حقيقة، إذ ليس له الغرض في هتك حرمته، وإفساد فراشه، ونسبة أهله إلى الفجور، بل ذلك أبغض إليه، وأكره شيء لديه، فكان رميه إياها بالقذف دليل صدقه، إلا أنّ الشارع أراد كمال

<<  <   >  >>