للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك النساء والصبيان والمعاهدون، ومجيئها بعد آية لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ يقرّب هذا، فقد بيّن الله تعالى أنّه لا ينهانا عن برّ أحد من الناس، إلا من قاتلنا، وظاهر على قتالنا، وأخرجنا من ديارنا، وظاهر على إخراجنا. وأما من عدا هؤلاء من الكفار فلم ينهنا عن برهم والإقساط إليهم، إذ علّة النهي عن البرّ أنّهم آذونا، فلا يكونون أهلا لبرنا، فإذا انتفت العلة انتفى النهي.

ومعنى قوله: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ أنّه لا ينهى المسلمين عن الإحسان إلى من اتصفوا من الكفرة بهذه الصفات المذكورة، وهي عدم المقاتلة في الدين، وعدم إخراج المسلمين من ديارهم، ومعنى الإقساط الإفضاء بالقسط، وهو العدل، فمعنى تقسطوا إليهم تفضوا إليهم بالقسط والعدل، فالإقساط مضمّن معنى الإفضاء، ولذلك عدّي بإلى إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ العادلين.

وقد استدلّ بالآية بعض العلماء على جواز التصدّق على أهل الذمة دون أهل الحرب على وجوب النفقة للأب الذمي دون الحربي، لأنّه يجب قتله والاستدلال على هذا الأخير استدلال عجيب، إذ كلّ ما في الآية عدم النهي عن البرّ، وهل عدم النهي عن البرّ يستلزم وجوب البر، والشهاب الخفاجي قد نقل أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: ٥] وإن كان القول بالنسخ لا يكاد يظهر.

إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ.

أي ليس النهي عن موالاة الأعداء نهيا عن البر بمن لم يقاتلكم، ولم يخرجكم من دياركم، إنما ينهاكم الله عن أعدائه وأعدائكم، الذين قاتلوكم من أجل دينكم، وألجئوكم إلى الخروج من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، وأعانوا عليه، هؤلاء هم الذين نهاكم الله وينهاكم أن تتولوهم، وتلقوا إليهم بالمودة.

وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنفسهم بتعريضها للعذاب، حيث فعلوا ما يوجبه، وهو اتخاذ الأعداء أولياء وهم ظالمون، لأنّهم وضعوا الولاية وضع العداوة، وكأنه لا يستحق وصف الظلم إلّا هؤلاء.

قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) غير المؤمنين فريقان:

أحدهما: كافر، عدو لله وللمؤمنين، لا يألو جهدا في أذاهم، والإيقاع بهم ما

<<  <   >  >>