للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

زينب بنت جحش، ولن أعود إليه، وقد حلفت لا تخبري أحدا. يبتغي مرضاة أزواجه» .

وقد روى مسلم، وأشهب عن مالك أنّ النبي شرب العسل عند حفصة، وروي أنّه كان عند أم سلمة، والأكثر أنّه كان عند زينب بنت جحش، ولعلّ الحادثة تكررت قبل النزول.

وبعد فيرى ابن العربي «١» أن ما قيل من أنّ الآية نزلت في الواهبة فهو ضعيف من حيث السند، وضعيف من حيث المعنى:

فأما السند: فرواته غير عدول.

وأما المعنى: فما يصحّ أن يقال: إن رد النبي صلّى الله عليه وسلّم للهبة كان تحريما، بل هو رفض لها، وللموهوب له شرعا ألا يقبل الهبة.

وأما ما روي من أنه حرم مارية فهو أمثل في السند وإن قرب من حيث المعنى، لكنّه لم يدوّن في صحيح ولا نقله عدل. قال ابن العربي: إنما الصحيح أنّه كان في العسل، وأنّه شربه عند زينب، وتظاهرت عليه عائشة وحفصة، وجرى ما جرى، فحلف ألّا يشرب، وأسرّ ذلك، ونزلت الآية في الجميع.

وبعد، فقد اختلف العلماء في أنّ تحريم النبي صلّى الله عليه وسلّم ما حرّم أكان بيمين، أم لم يصحبه يمين، وقد جرى بناء على ذلك خلاف بين العلماء في أنّ الرجل إذا حرّم شيئا ولم يحلف أيكون ذلك يمينا، فيجب فيه ما يجب في اليمين، أم لا يكون؟ وتشعبت أطراف الخلاف بينهم إلى حدّ كبير، سنقفك على شيء منه بعد التفسير.

لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ أي لم تمنع نفسك من شيء أباح الله لك الانتفاع به تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ الابتغاء: الطلب، والجملة حال من فاعل تحرّم. فيكون قيدا للعامل. وقد قال العلماء: إنّ العتاب موجّه إلى هذا القيد، لأنّ الكلام إذا كان مقيّدا بقيد إثباتا أو نفيا، فالنظر فيه إلى القيد، ولا مانع من أن يكون العتاب موجها إلى المقيّد مع قيده.

ويرى البعض أنّ الجملة استئناف، وذلك أنّ الاستفهام ليس على حقيقته، بل هو معاتبة على أنّ التحريم لم يكن عن باعث صحيح، وحينئذ


(١) انظر أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ١٨٣٣) .

<<  <   >  >>