للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٧ الى ١٩]

وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)

قوله تعالى: وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ [١٧] قال: فتحنا أسماعهم لفهم خطابنا، وجعلنا أفئدتهم وعاء لكلامنا، وأعطيناهم فراسة صادقة يحكمون بها في عبادنا حكم يقين وأخبار صدق، فهذه هي البينات من الأمر في طريق الباطن.

قوله تعالى: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها [١٨] قال: يعني منهاج سنن من كان من قبلكم من الأنبياء، فإنهم على منهاج الهدى والشريعة الشارع الممتد الواضح إلى طريق النجاة وسبيل الرشد.

قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [١٩] من استغنى بغير الله فبغناه افتقر ومن اعتز بغيره فبعزه ذل، ألا ترى أن الله يقول: إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً [١٩] .

[[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢١]]

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١)

قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ

[٢١] الآية، قال: ليس من أقعد على بساط الموافقة كمن أقيم في مقام المخالفة، فإن بساط الموافقة يجر بصاحبه إلى مقاعد الصدق، ومقام المخالفة يهوي بصاحبه في لظى.

[[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٣]]

أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)

قوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [٢٣] قال: يعني أفرأيت من كان مغموراً في لذة نفسه من الدنيا، غير ورع ولا تقي، فاتبع مراده ولم يسلك مسالك الاقتداء، وآثر شهوات الدنيا على نعيم العقبى، أنى تكون له في الآخرة من الدرجات الرفيعة والمنازل السنية «١» وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ [٢٣] قال: أي على علم الله السابق فيه بترك عصمته ومعونته.

[[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٦]]

قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦)

قوله: قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ [٢٦] قال: يحييكم في بطون أمهاتكم، ثم يميتكم بجهالة، ويجمعكم إلى يوم القيامة أولكم وآخركم لا ريب فيه.

[[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٢٨]]

وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨)

قوله تعالى: وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [٢٨] قال: على ركبها تجادل عن نفسها عند المرافقة الصادق يجتهد في تحقيق صدقه، والجاحد يجتهد في الدفع عن نفسه، وكلٌّ محكوم عليه في الذي أملاه، مدده ريقه، وقلمه لسانه، وقرطاسه جوارحه.

[[سورة الجاثية (٤٥) : آية ٣٧]]

وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧)

قوله: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [٣٧] قال: العلو والقدرة والعظمة والحول والقوة له في جميع الملك، فمن اعتصم به أيّده بحوله وقوته، ومن اعتمد على نفسه وكّله الله إليها.

والله سبحانه وتعالى أعلم.


(١) في تفسير القرطبي ١٦/ ١٦٨ بعد تفسير الآية المذكورة، أن سهل التستري قال: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك) .

<<  <   >  >>