للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[سورة التوبة (٩) : آية ٧٣]]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)

قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [٧٣] قال: جاهد نفسك بسيف المخالفة وحملها حمولات الندم، وسيرها في مفاوز الخوف، لعلك تردها إلى طريق التوبة والإنابة، ولا تصح التوبة إلا من متحير في أمره، مبهوت في شأنه، واله القلب مما جرى عليه، قال تعالى: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ [١١٨] الآية.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٨]]

لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)

قوله: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [١٠٨] قال: هذه الطهارة أراد بها الذكر لله تعالى سراً وعلانية والطاعة له.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١١ الى ١١٢]

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)

قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [١١١] يعني اشتراها من شهوات الدنيا وما يوجب الاشتغال عن ذكره، حتى تكون نفسه وماله خالصة له، فمن لم يبع من الله حياته الفانية وشهواته الزائلة، كيف يعيش مع الله تعالى؟ وكيف يحيا حياة طيبة؟ ثم قال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ [١١١] بما لا خير فيه، وعوضهم ما فيه الخير كله، مع أن ما في الكونين فهو ملكه، وهذا من غاية لطفه وكرمه بعباده المؤمنين. وقد حكي عن مالك بن دينار أنه مر بقصر يعمر، فسأل الأجراء عن أجرتهم، فأجابه كل واحد منهم بما كانت أجرته، ولم يجبه واحد، فقال: ما أجرتك؟ فقال: لا أجر لي. فقال:

ولم ذلك؟ قال: لأني عبد صاحب القصر. فقال مالك: إلهي ما أسخاك، الخلق كلهم عبيدك، كلفتهم العمل ووعدتهم الأجر.

قوله: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [١١٢] قال سهل: ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب على الخلق من التوبة، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة، ولا عقوبة عليهم أشد من فقد علم التوبة. فقيل: ما التوبة؟ فقال: أن لا تنسى ذنبك «١» . وقال: أول ما يؤمر به المبتدئ التحويل من الحركات المذمومة إلى الحركات المحمودة، وهي التوبة ولا تصح له التوبة حتى يلزم نفسه الصمت، ولا يصح له الصمت حتى يلزم نفسه الخلوة، ولا تصح له الخلوة إلاَّ بأكل الحلال، ولا يصح له أكل الحلال إلاَّ بأداء حق الله تعالى، ولا يصح له أداء الحق إلاَّ بحفظ الجوارح والقلب، ولا يصح له ما وصفنا حتى يستعين بالله عزَّ وجلَّ على جميعه. فقيل: ما علامة صدق التوبة؟ قال علامتها أن يدع ما له سوى ما ليس له. وسئل سهل عن الرجل يتوب ويقلع عن ذلك الذنب، ثم يخطر ذلك بقلبه أو يراه أو يسمع به فيجد حلاوة ذلك الذنب السيئ كيف الحيلة فيه؟ فقال: وجدان الحلاوة من الطبع لا يتحول، فيصير المحبوب مكروهاً ولكن يقهر عزم القلب فيرجع في ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ، ويرفع إليه شكواه، ويلزم نفسه وقلبه الإنكار ولا يفارقه، فإنه إن غفل عن الإنكار طرفة عين تخوفت عليه أن لا يسلم منه «٢» . قال: دعوا القال والقيل كله في هذا الزمان، عليكم بثلاث: توبوا إلى الله عزَّ وجلَّ مما تعرفوه بينكم وبينه، وأدوا مظالم العباد


(١) قوت القلوب ١/ ٣١٨.
(٢) قوت القلوب ١/ ٣٢٤.

<<  <   >  >>