للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[سورة يونس (١٠) : آية ٦٢]]

أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)

قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [٦٢] قال سهل:

هم الذين وصفهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا رؤوا ذكر الله» «١» وهم المجاهدون في الله السابقون إليه الذين توالت أفعالهم على الموافقة أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: ٤] وقال: اجتمع الخير كله في هذه الأربعة وبها صاروا أبدالاً: إخماص البطون، والاعتزال عن الخلق، وسهر الليل، والصمت. قيل له: لِمَ سمي الأبدال أبدالاً؟ فقال: لأنهم يبدلون الأحوال، أخرجوا أبدانهم عن الحيل في سرهم، ثم لا يزالون ينقلبون من حال إلى حال، ومن علم إلى علم، فهم أبداً في المزيد من العلم فيما بينهم وبين ربهم.

قيل: الأوتاد أفضل أم الأبدال؟ قال: الأوتاد. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن الأوتاد قد بلغوا وثبتت أركانهم، والأبدال ينقلبون من حال إلى حال. وقال سهل: لقيت ألفاً وخمسمائة صدّيق، فمنهم أربعون بديلاً وسبعة أوتاد، وطريقهم ومذهبهم ما أنا عليه. وكان يقول: أنا حجة الله عليكم خاصة، وعلى الناس عامة. وكان من طريقه وسيرته أنه كان كثير الشكر والذكر، دائم الصمت والفكر، قليل الخلاف، سخي النفس، قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم، متمسكاً بالأصل، عاملاً بالفرع، قد حشى الله قلبه نوراً، وأنطق لسانه بالحكمة، وكان من خير الأبدال، وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى، ولولا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم ورؤيتهم لكان كأحدهم، عاش حميداً ومات غريباً بالبصرة رحمة الله عليه. وقد كان رجل يصحب سهلاً يقال له عبد الرحمن بن أحمد، فقال يوماً لسهل: يا أبا محمد، إني ربما أتوضأ للصلاة فيسيل الماء من بين يدي فيصير قضبان ذهب وفضة. فقال سهل: يا حبيبي، أما علمت أن الصبي إذا بكى يناول خشخاشة حتى يشتغل بها، فانظر أي شيء هو هذا يعمل «٢» . وقال: كان في منزله بيت يقال له بيت السباع، وكانت السباع تجيء سهلاً، فكان يدخلها ذلك البيت، ويضيفها فيطعمها اللحم، ثم يخليها.

[[سورة يونس (١٠) : آية ١٠٩]]

وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)

قوله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ [١٠٩] قال: أجرى الله في الخلق أحكامه، وأيدهم على اتباعها بفضله وقدرته، ودلَّهم على رشدهم بقوله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ [١٠٩] فالصبر على الاتباع ترك تدبير النفس، ففيه النجاة عاجلاً من رعونات النفس، وآجلاً من حياء المخالفة.


(١) مسند أحمد ٦/ ٤٥٩ ونوادر الأصول ٤/ ٨٠، ٨٦. [.....]
(٢) سير أعلام النبلاء ١٣/ ٣٣٣.

<<  <   >  >>