للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفسهم، وأمرا للنبي صلّى الله عليه وسلّم بقصّ هذه القصة على الناس لعلهم يتفكرون ويعتبرون.

وقد أوّل المفسرون «١» مثل الكلب بأن حالة الكافر أو المنسلخ كحالته لا يترك ضلاله وكفره سواء أوعظ وأنذر أو لم يوعظ وينذر. وهو وجيه سديد.

وقد روى المفسرون روايات في اسم الشخص الذي عنته الآيات «٢» فروي أنه أمية بن الصلت الشاعر الذي كان موحدا ويظن نفسه على ملّة إبراهيم عليه السلام، فلما بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم حسده على اختصاصه بالنبوّة من دونه فجحد. وروي أنه أبو عامر الراهب المتنسّك الذي كان على ملّة إبراهيم عليه السلام فحسد النبي صلّى الله عليه وسلّم أيضا وتنصّر وآلى على نفسه محاربته وكان يتآمر مع المنافقين عليه. وروى الطبري أنه رجل من بني إسرائيل تآمر مع الجبابرة على قومه وحرّضهم عليهم وهوّن لهم من شأنهم. كما روى أنه نبي أو كاهن أو نبي من الكنعانيين أو المؤابيين اسمه بلعام بن باعوراء. وأن ملكه أمره بلعن بني إسرائيل حينما وفدوا على بلاده بعد خروجهم من مصر بقيادة موسى عليه السلام فأوحى الله إليه بمباركتهم بدلا من لعنهم. فلما ضايقه الملك أشار عليه بتسليط بنات البلاد على شباب بني إسرائيل ليورطنهم في الزنا بهم وعبادة معبودهم البعل. وأن رأيه هذا هو الانسلاخ من آيات الله الذي عنته الآية. كو في الإصحاح الثاني والعشرين وما بعده في سفر العدد من أسفار العهد القديم ذكرت قصة بلعام بن باعوراء وأمر الملك إيّاه بلعنة بني إسرائيل ومباركته إياهم بدلا من ذلك. كما ذكر فيها خبر ارتكاس شباب بني إسرائيل في الزنا ببنات مؤاب وعبادة معبودهم البعل ولكن لم يذكر فيها أن هذا كان برأي بلعام.

وعلى كل حال فإن اكتفاء الآية بالإشارة إلى الشخص دون تفصيل قد يلهم أنه شخص معروف عند سامعي القرآن بعلمه واطلاعه على كتب الله، وأنه انحرف عن طريق الحق والهدى بتأثير السجيّة الفاسدة ووسوسة الشيطان ومتاع الحياة الدنيا وشهواتها، فاستحكم بذلك ما قصدته الآيات من العظة والتذكير والعبرة.


(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والبغوي.
(٢) انظر المصدر نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>