للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ

(٢٢) بفارق ورود كلمتي كتاب مكنون بدل من كلمتي لوح محفوظ. وقد قال بعض المفسرين إن الكلمتين هنا تعنيان اللوح المحفوظ أيضا.

والذي يتبادر لنا أن كلمة كتاب هنا تؤيد ما أوّلنا به كلمة اللوح في سياق تفسير سورة البروج وهو علم الله الشامل. وقد صرف بعض المفسرين جملة لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ إلى الملائكة بسبيل تقرير طهارة الملائكة النازلين به. وصرفها آخرون إلى الناس بسبيل حظر مسّ صحف القرآن على غير الطاهرين. وصرفها بعضهم إلى الأنبياء والرسل من بني آدم والملائكة. وقال آخرون إنها تنطوي على تقرير كونه محفوظا عن غير المقربين من الملائكة دون سائرهم «١» .

والأقوال الأولى واردة دون الأخير الذي يقتضي أن يكون في الملائكة طاهرين وغير طاهرين. وقد يستأنس على القول الأول بآيات سورة عبس هذه فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرامٍ بَرَرَةٍ (١٦) وقد يستأنس على التالي بالتواتر الذي ينقطع من عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حظر مسّ المصحف على غير الطاهرين من الحدث الأكبر (الجنابة) بالإجماع والحدث الأصغر (مفسد للصوم) بغير إجماع. وفي حالة رجحان هذا القول يكون في الآية دليل على أن فصول القرآن وسورة كانت تدوّن في صحف وتحفظ في مصحف أولا فأولا. وهو ما قامت عليه الأدلة العديدة من القرآن والسنة والروايات الوثيقة.

ولقد روى الإمام مالك في الموطأ «أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلّا طاهر» وعقب الإمام على هذا قائلا «ولا يحمل أحد المصحف بعلاقة ولا على وسادة إلّا وهو طاهر» . والحديث يؤيد ما جرى العمل عليه المتواتر منذ العهد النبوي. أما التعقيب فهو رأي اجتهادي ونراه يتحمل النظر لأن فيه مشقة على المسلمين. وقد رفع الله عنهم الحرج في الدين كما جاء في آية سورة الحج [٧٨] . والنصّ القرآني لا يتسق مع هذا القول لأنه إنما حظر مسّ القرآن مباشرة على غير المتطهرين، والله أعلم.


(١) انظر هذه الأقوال في كتب تفسير ابن كثير والخازن والزمخشري والطبرسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>