للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومهما قيل في هذه الروايات فإن ورود الإشارة إلى هذا التقليد في القرآن دليل على أن العرب كانوا يمارسونه.

ولقد ورد في سورة الصافات آيات تذكر أن إبراهيم عليه السلام أمر في منامه بذبح ابنه قربانا لله كما ترى في هذه الآية: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) وهذه القصة واردة في سفر التكوين أيضا «١» . فلا يبعد أن يكون التقليد الجاهلي مقتبسا من هذا التقليد القديم أو متصلا به ولا سيما أن العرب كانوا كما قلنا في مناسبات سابقة يتداولون صلة بنوّتهم بإبراهيم وسيرهم في تقاليدهم وفق تقاليد إبراهيم وملّته.

أما التقاليد الأخرى فالمستفاد مما رواه المفسرون «٢» أنها من حيث أساسها كانت تهدف إلى التقرب إلى الله والشركاء بقصد تكثير النسل والغلات أو الشكر إذا كثر النسل والغلات أو إذا تحقق للمشركين مطلب. ويبدو من الآية الأولى أنهم كانوا يحابون شركاءهم ويحولون نصيب الله إليهم إن كان هو الأفضل انسياقا وراء مفهوم مألوف في معاملات الناس وصلاتهم ببعضهم حيث يرون أنهم لا بد لهم من شفعاء لدى الله لتحقيق مطالبهم، وأن الحصول على رضاء هؤلاء الشفعاء هو المهم في نظرهم لأن شفاعتهم مقبولة لدى الله حتما في تصورهم.

ومما رواه المفسرون من تفصيل في سياق هذه الآيات أنهم كانوا يجعلون ما لله للضيوف وما للشركاء لسدنة الأوثان الرامزة إلى الشركاء. وأنه كان إذا نزل الماء في أرض منذورة لله دون المنذورة للشركاء أو إذا كانت غلة الأرض أو نتاج الأنعام المنذورة لله أحسن من المنذور للشركاء حولوها للشركاء. وإذا سقط شيء مما هو منذور لله في نصيب المنذور للشركاء أبقوه فيه وإذا سقط شيء مما هو للشركاء في


(١) الإصحاح ٢٢.
(٢) انظر تفسير الآيات في كتب الطبري والبغوي وابن كثير والخازن والطبرسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>