للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد قيلت أقوال عديدة كذلك «١» في تأويل جملة تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ فمنها أنها بمعنى (تام على أحسن الوجوه) ومنها أنها بمعنى (تماما على الذي أحسنه موسى من العلم والشرائع) ومنها أنها بمعنى (إتماما لجزائنا له على ما أحسنه من عمل وطاعة) ومنها أنها بمعنى (إتماما لما أحسن الله إلى موسى من نبوة وتكريم وتكليم) والمعنى الأخير هو الأوجه على ما يتبادر لنا. وقد تبادر لنا معنى آخر وهو (إتماما لإحسانه الذي أحسنه على بني إسرائيل بالنجاة من فرعون وقومه) . ولعل ضمير الجمع الغائب العائد إلى بني إسرائيل في الآية مما يوجه هذا المعنى.

ولقد قلنا في سياق شرح الآية أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أنها لإزالة سبب احتجاج العرب بأن لغة الكتب المنزلة بغير لغتهم. وهذا مستلهم من آية سورة الأحقاف هذه: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) وآية سورة فصلت هذه: وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) ومن آيات سورة الشعراء [١٩٢- ١٩٩] التي مرّ تفسيرها.

وفي الآية [١٥٧] ينطوي على ما هو المتبادر صورة لموقف العرب من أهل الكتب السماوية وكتبهم. وهو أنهم كانوا ينقدون أهل الكتاب على ما هم فيه من خلاف ونزاع وقتال ويقولون لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. والآية إن حكت هذا عنهم كشيء متوقع فإن آية سورة فاطر [٤٢] التي مرّ تفسيرها قد حكته عنهم كشيء واقع حيث حكت أنهم كانوا يحلفون بالله لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى


(١) انظر تفسير الآيات في تفسير الطبري والطبرسي وابن كثير والخازن والزمخشري.

<<  <  ج: ص:  >  >>