للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستمر إلى اليوم حيث يعتبر النصارى أسفار العهد القديم كتابا مقدسا لهم.

وإزاء ذلك يمكن القول إن ما ينطوي في الآية [١٥٦] وحديث البخاري كان لتسجيل الواقع في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم ومهبط وحيه الذي كان معظم النصارى فيه (وهم قلائل) ومعظم اليهود وهم كتلة كبيرة غير عرب. وفي الحديث الذي رواه الشيخان عن عائشة في صدد بدء نزول الوحي لأول مرة على النبي صلى الله عليه وسلم خبر عن ورقة بن نوفل يذكر أن ورقة كان قد تنصّر وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ما يفيد أن بعض الذين تنصروا أو تهودوا من العرب في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم وهم أفراد تعلموا لغة الكتب الدينية التي يدينون بها.

ولقد استمر هذا إلى ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوهم يسألون علماء اليهود الذين أسلموا عن بعض الأمور فيجيبونهم بإجابات يعزونها إلى التوراة فيتقبلون ذلك منهم. وكان من هذه الإجابات ما لا يمكن أن يكون في التوراة. من ذلك مثلا إن أبا هريرة اختلف مع رفيق له على الساعة التي يستجيب الله فيها دعاء سائليه يوم الجمعة على ما إذا كانت في السنة أو في كل جمعة فسألا كعب الأحبار فقال إنها مرة في السنة فأصرّ أبو هريرة أنها مرة في كل جمعة فرجع كعب إلى التوراة ثم عاد فقال إنها كما قال أبو هريرة «١» . حيث يفيد هذا المثل أنه لو صار في أيدي أصحاب رسول الله بعد النبي ترجمة للتوراة لما جرأ كعب على أن يعزو إلى التوراة ما لا يمكن أن يكون فيها.

ومن الجدير بالذكر أن النتف التي يذكرها الطبري عزوا إلى التوراة والإنجيل وكتاب تفسيره من أقدم وأطول ما وصل إلينا من كتب التفسير تدل على أنه لم يكن مطلعا على ترجمة لهما لأن فيهما مفارقة وأخطاء كثيرة. وقد تدل بالتالي على أن الترجمة التي رجحنا أنها كانت في أيدي نصارى العرب قبل الإسلام في الشام والعراق وجزيرة الفرات والتي من المحتمل جدا أنها ظلت في أيدي من بقي على


(١) انظر هذه الرواية في تفسير سورة الجمعة في تفسير البغوي.
الجزء الرابع من التفسير الحديث ١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>