للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منها واردا في كتب الصحاح. منها أن الجنّ جيل من الملائكة ومنها أن كلمة الجنّ يصح إطلاقها لغة على الملائكة لأنها من الاجتنان وهو الاستتار والخفاء. والذين قالوا هذا تفادوا به مما وهموا أنه تناقض في مفهوم القرآن لأن مقتضى جميع القصة في السور الأخرى أن يكون إبليس من الملائكة لأنه استثني منهم حيث جاءت الجملة: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ [٥٠] ولا نرى طائلا ولا ضرورة إلى ذلك. فالآية صريحة بأن إبليس شيء والملائكة شيء آخر. والذين قالوا إن الجنّ جيل من الملائكة وإن كلمة الجنّ يصح أن تطلق على الملائكة وإن إبليس من الملائكة قد غفلوا فيما يتبادر لنا عن تقريرات القرآن الصريحة الأخرى بأن الجان قد خلقوا من نار. وعن حكاية قول إبليس أنه خلق من نار مما فيه حسم في قصد تقرير كون إبليس من الجنّ الناري. وكذلك غفلوا عن جمع الجنّ والملائكة في سياق واحد وهو آيات سورة سبأ هذه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) ، مما فيه حسم بأن كلا منهم غير الآخر.

ولقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من مارج من نار وخلق آدم ممّا وصف لكم» والنبي صلى الله عليه وسلم وحده هو المعتمد فيما فيه توضيح لما أجمله القرآن أو أطلقه أو سكت عنه وهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة وقد انطوى على حسم آخر «١» .

ولقد قال الزمخشري إن الفاء في كلمة فَفَسَقَ سببية لتقرير كون إبليس إنما فسق لأنه من الجن وليس من الملائكة.

ولقد أورد المفسرون «٢» في سياق هذه الآية بيانات كثيرة عن إبليس وذريته وتزاوجه وتناسله وأسماء أبنائه وحفدته وطرائق تصرفاتهم وتقسيمات وظائفهم إلخ دون ما سند، وليس فيها ما هو وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو وحده المعتمد في مثل


(١) انظر التاج ج ٥ ص ٢٦٣.
(٢) انظر كتب التفسير السابقة الذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>