للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة. فقد التقى النبي مرتين ببعض زعماء قبيلتي الخزرج والأوس سكان يثرب (المدينة المنورة) في المواسم فدعاهم فآمنوا واتفق معهم على الهجرة إلى المدينة هو وأصحابه. وأرسل إليهم مصعب بن عمير (رضي الله عنه) نائبا عنه وقارئا وداعية للإسلام وإماما. فصار يدعو الناس ويساعده في دعوته الزعماء الذين آمنوا فانبرى له بعض أهل المدينة يناوئون دعوته ويعطلون عليها، وكان عبد الله بن أبي بن سلول أحد زعماء الخزرج وهم الأقوى والأكثر من قبيلة الأوس ثانية القبيلتين التي ينتسب إليهما معظم سكان المدينة على رأس هذه الحركة. وقد استطاع أن يؤثر على بعض أقاربه فانضووا إلى حركته. ولقد كان الخزارجة على وشك المناداة به ملكا على يثرب في الظرف الذي اتصل النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه ببعض رجال الأوس والخزرج وبايعوه على الإسلام ورحبوا بهجرته مع أصحابه إليهم وعاهدوه على النصر والدفاع فاعتبر حركة النبي وهجرته سببا في حرمانه من ذلك فحقد ونقم «١» . وهناك شخص قوي آخر تذكره الروايات من الأوس وهو أبو عامر المسمى بالراهب والذي كان من زمرة الموحدين الصابئين وتنصّر حيث حسد النبي على اختصاصه بالنبوة دونه وحقد عليه واستطاع أن يؤثر على بعض أقاربه وأن يكون هو وإياهم إلبا مع عبد الله بن أبيّ وزمرته. وإلى جانب هاتين الزمرتين في المدينة فقد كان في الأعراب الذين هم حول المدينة منافقون أيضا وإن كان الدور المؤذي الذي قام به المنافقون هو في الدرجة الأولى دور منافقي المدينة حيث كان إسلام الأعراب المنافقين يدور مع المنفعة، فإن رأوا في الإقدام منفعة أقبلوا وتضامنوا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وإن رأوا خطرا تحايدوا وابتعدوا.

ولقد كانت مواقف منافقي المدينة ومكايدهم بعيدة المدى والأثر حتى لكأنه نضال قوي يذكر بما كان من نضال بين النبي صلّى الله عليه وسلّم وزعماء مكة وإن اختلفت الأدوار والنتائج، إذ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يلبث أن أخذ مركزه يتوطد وقوته تزداد ودائرة دعوته تتسع وصار صاحب سلطان وأمر نافذ وجانب عزيز. ولم يكن هؤلاء المنافقون كتلة متضامنة ذات شخصية بارزة وكانوا وظلوا قلة وكان شأنهم يتضاءل بنسبة تزايد


(١) انظر سيرة ابن هشام ج ٣ ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>