للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث يتسق القرآن المدني مع القرآن المكي في هذا كما يتسقان في كل شأن آخر وإن اختلف الأسلوب اختلافا اقتضته طبيعة كل من العهد المكي والعهد المدني على ما نبهنا عليه في مناسبات سابقة أيضا.

وهناك أحاديث نبوية أوردها ابن كثير في سياق الآيات فيها تلقينات متسقة مع التلقينات التي انطوت في الآيات، منها حديث رواه الطبراني عن عبد الله قال:

«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مثل العالم الذي يعلّم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه» . وحديث رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال:

«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مررت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء؟ قال: خطباء أمّتك من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب» «١» . وحديث رواه الإمام أحمد أيضا عن أسامة قال: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتاب فيدور بها في النار كما يدور الحمار بالرّحى فيطيف به أهل النار فيقولون يا فلان ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه» «٢» . وحديث رواه الطبراني عن ابن عمر قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في سخط الله حتى يكفّ أو يعمل ما قال أو دعا إليه» . وحديث رواه البخاري عن سمرة بن جندب جاء فيه: إن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى في منامه رجلا يشدخ رأس رجل وكلّما التأم جرحه عاد فشدخه فسأل عنه فقيل له إنه رجل علّمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل به في النهار» «٣» وحديث رواه الترمذي وابن ماجه عن كعب بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار» «٤» . وحديث رواه الترمذي وابن


(١) أورد ابن كثير هذا الحديث من طرق عديدة أخرى عزوا إلى ابن مردويه وابن حبان وابن أبي حاتم.
(٢) روى هذا الحديث البخاري ومسلم وأبو داود أيضا، انظر التاج ج ٥ ص ٢٠٣.
(٣) التاج ج ٤ ص ٢٧٥- ٢٧٧ والحديث طويل.
(٤) التاج ج ١ ص ٦٥ والمتبادر أن المقصد من الحديث الأخير هو استغلال العلم في ما لا يرضي الله تعالى أو في معصيته أما من يتعلم العلم وينتفع به في شأن من شؤون الدنيا المباحة ولا يكون في ذلك معصية ولا إهمال لجانب الله وتقواه فالمتبادر أنه لا يدخل في شمول الإنذار النبوي والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>