للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مواقف مناوأة يهودية للدعوة النبوية بقصد التشكيك والدس.

ومن المحتمل أن تكون الآيات نزلت بعد فصل الطواف بين الصفا والمروة مباشرة فوضعت في مقامها ومن المحتمل أن يكون وصفها بسبب توافق ما فيها من موضوع مع ما كان قبل فصل الطواف من مواضيع متصلة بمواقف اليهود والله أعلم.

والحملة شديدة قارعة مما قد يلهم أن المواقف التي نزلت في صددها كانت شديدة الوقع والأثر.

ومع ما هو مرجح من أن موضوع الآيات هو اليهود ومواقفهم فقد جاءت مطلقة حيث يبدو أن حكمة الله اقتضت ذلك لتشمل كل من يكتم ما أنزل الله من الهدى والبينات الواردة في كتبه سواء أكانوا من أهل الكتب السابقين أم من المسلمين. ولقد أورد الطبري في سياقها حديثا نبويا رواه أيضا أبو داود والترمذي عن أبي هريرة بهذا النصّ: «من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» «١» . ونرى أن ننبه على أمر مهم في صدد الحديث النبوي. ففيه الحق من دون ريب غير أن الآية الأولى من الآيات التي نحن في صددها لا تشترط السؤال لاستحقاق لعنة الله واللاعنين على الكاتم بل توجب على كل من يعلم ما في كتاب الله من هدى وبينات أن يبينها سواء أسئل أم لم يسأل، وفي آية سورة آل عمران هذه: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [١٨٧] توكيد لذلك فيما يتبادر لنا والله تعالى أعلم.

ولقد روى المفسرون عن أهل التأويل أن جملة وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ تعني الملائكة أو غير الإنس والجن من خلق الله. ولم يرو هذا عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. ويتبادر لنا أن الجملة أسلوبية لبيان كون الكاتمين يستحقون لعنة كل من خلقه الله إطلاقا من باب التسديد والتشميل وهي من باب الجملة الثانية في الآية التالية وبأسلوب آخر، والله أعلم.


(١) انظر التاج ج ١ ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>