للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها إيعاز للمؤمنين فإن الكفار إذا أبوا إلا الاستمرار على ذلك الموقف الباغي فعليهم قتالهم باستمرار إلى أن لا يكون في الأرض فتنة ويكون الدين كله لله وليعلموا أن الله مولاهم وناصرهم عليهم وهو نعم المولى ونعم النصير.

وفي أسلوب الإنذار والإعلان والدعوة تلقين قرآني جليل رائع ومستمر المدى: فكل ما ينبغي أن يطلبه المسلمون من أعدائهم الذين يقاتلونهم حينما يقابلونهم بالمثل أن يرعووا عن غيّهم وبغيهم وأن يسيروا في طريق الحق الذي فيه خيرهم ومصلحتهم فإذا فعلوا هذا سقط عنهم كل إثم ارتكبوه وصاروا من المسلمين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وفي إحدى آيات سورة التوبة يأتي هذا المعنى أصرح حيث جاء فيها: فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) .

ولقد قال المفسرون في صدد الآيات [٣٨- ٤٠] وفي صدد كلمة (الفتنة) بعض ما قالوه في صدد آيات البقرة [١٩١- ١٩٣] التي تكاد تكون تكرارا لها، ولقد علقنا على آيات البقرة بما فيه الكفاية فلا نرى حاجة إلى التكرار والزيادة.

ومن الجدير بالتنبيه أن الآية قد أمرت النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بما أمرتهم به بعد أن انتصروا على الكفار حيث ينطوي في هذا بالإضافة إلى ما قلناه من تسامح وتسام اتساق مع الهدف الجوهري القرآني وهو حملهم على الارعواء والاهتداء بنور الله والسير في طريق الحقّ الذي هو مصلحتهم.

ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثين وصفهما بالصحيح جاء في أحدهما: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر» وجاء في ثانيهما: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام يجبّ ما قبله والتوبة تجبّ ما قبلها» . والحديث الأول من مرويات مسلم «١» . وفي الحديثين تساوق مع التلقين القرآني كما هو المتبادر.


(١) انظر التاج، ج ٤ ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>