للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد تنوع المقسم به تنوعا كبيرا فشمل مشاهد الكون السماوية والأرضية وموجوداته الحية والجامدة. غير أن الذي يتبادر من المقسم به وأسلوب القسم أن ذلك مما له خطورة في أذهان الناس أو واقع حياتهم. سواء أكان ذلك بسبب ما فيه من عظمة مشهد وروعة مظهر وقوة صورة، أم بسبب ما يثيره من معان وآثار نفسية، أم بسبب ما له من نفع عظيم، أم بسبب ما يتصل به من عادات وتقاليد ومفهومات. وإن مما هدفت إليه الأقسام التوكيد واسترعاء الأذهان والأسماع لما يأتي بعد القسم من تقريرات متنوعة الأهداف والمعاني.

[وقت نزول الآيات الأولى من هذه السورة]

وقد روي «١» أن هذه الآيات هي التي أعقبت آيات سورة العلق الأولى.

ووضع سورة القلم في ترتيب ثانية سورة قرآنية نزولا إنما هو بسبب ذلك. فإذا صحت الرواية فتكون الآيات قد نزلت وحدها وبقية آيات السورة نزلت بعدها بمدة ما. ثم ألحقت بها وتم بذلك تأليف السورة وشخصيتها. وتكون كذلك قد نزلت لتطمين النبي عليه السلام وتثبيته، ونفي ما ظنه وخشي منه، وهو أن يكون ما رآه وسمعه حينما أوحي إليه لأول مرة مسّا من الجن حتى إنه أراد أن يلقي نفسه من شاهق الجبل على ما رواه الطبري «٢» في حديث معزو إلى عبد الله بن الزبير عن النبي صلّى الله عليه وسلم، وإن لم تصح الرواية فيكون في الآيات تطمين وتثبيت من جهة، ورد


(١) «السيرة الحلبية» ، ج ١ ص ٢٤٤.
(٢) «تاريخ الطبري» ، ج ٢ ص ٤٨- ٤٩ مطبعة الاستقامة.
ومما جاء في هذا الحديث عن لسان النبي صلّى الله عليه وسلم: «لما انصرف عني الملك وهببت من نومي وكأنما كتب في قلبي كتابا قال ولم يكن من خلق الله أحد أبغض إليّ من شاعر أو مجنون. كنت لا أطيق أن أنظر إليهما. قلت الأبعد يعني نفسه شاعر أو مجنون، لا تحدث بها عني قريش أبدا. لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن..» .

<<  <  ج: ص:  >  >>