للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها «١» أن قريشا سألوا اليهود: بم جاءكم موسى؟ قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين. وسألوا النصارى: بم جاءكم عيسى؟ قالوا: كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبي فقالوا له: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا فدعا ربّه فأنزل الله الآية الأولى ليتفكروا في خلق السموات والأرض. وثانية عن أم سلمة «٢» أنها سألت رسول الله ما بال القرآن يذكر الرجال بالهجرة ولا يذكر النساء فنزلت الآية الأخيرة. والرواية الأولى لم ترد في الصحاح. وقد استغربها ابن كثير الذي رواها ونبّه على ذلك بقوله إن الآية مدنية. أما الرواية الثانية فهي محتملة وقد رواها الترمذي كما أشرنا آنفا مع التنبيه على أن المتبادر أن الآيات وحدة تامة منسجمة. فإذا صحت فيكون سؤال أم سلمة سابقا لنزولها فاقتضت حكمة التنزيل ذكر المؤمنين بجنسيهم في الجواب استجابة لتساؤل المؤمنات بلسان أم المؤمنين والله أعلم.

والمتبادر كذلك أن الآيات ليست منقطعة عن السياق السابق مهما بدت فصلا جديدا وبخاصة عن الآيات التي جاءت قبل موضوع اليهود، بل ولعلها متصلة بموقف اليهود والمشركين الذين ذكروا معا في آية سابقة ليكون فيها مقارنة بين هؤلاء وبين المؤمنين المخلصين.

والآيات من روائع الفصول القرآنية ومن أقواها تأثيرا في النفس وبعثا على الخشوع والهيبة وتوجيها إلى الله. وقد روي من طرق عديدة أن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يتلوها في جنح الليل والأسحار ويبكي خشوعا كلما تلاها «٣» . وفي فصل التفسير في صحيح البخاري حديث عن ابن عباس في سياق هذه الآيات جاء فيه:


(١) انظر تفسير ابن كثير وهو يرويها عن الطبراني بسند متصل إلى ابن عباس.
(٢) انظر تفسير ابن كثير والطبري والخازن والطبرسي وانظر أيضا التاج ج ٤ ص ٧٩ حيث روى ذلك الترمذي في فصل التفسير. وهذا نصّ حديثه عن أم سلمة قالت: «قلت يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة وكانت أم سلمة أولى ظعينة هاجرت إلى المدينة فأنزل الله تعالى فاستجاب لهم أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.
(٣) انظر تفسير الخازن وابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>