للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبارة الآية واضحة. وهي تأمر المسلمين بعدم التهاون والضعف في طلب أعدائهم وملاحقتهم وقتالهم. وتبثّ فيهم بسبيل ذلك الروح: فإذا كان ينالهم نصب وألم من ذلك فأعداؤهم ينالهم مثل ذلك مع فارق عظيم هو أنهم يرجون من نصر الله وتأييده وأجره ما لا رجاء لأعدائهم فيه. والله عليم حكيم يعلم مقتضيات كل أمر ويأمر بما فيه الحكمة والسداد.

وقد روى المفسرون أن الآية نزلت في مناسبة انتداب النبي للمسلمين عقب وقعة أحد وحينما بلغة أن قريشا تفكر في الكرة عليهم للخروج إليهم ليثبتوا لهم أنهم غير هائبين منهم أو في مناسبة انتداب النبي المسلمين للخروج إلى بدر حيث واعدهم أبو سفيان باللقاء في العام القابل بعد الوقعة المذكورة. وقد تلكأ بعض المسلمين بسبب ما كان يشعر به من ألم وتعب «١» .

وهذه الروايات لم ترد في الصحاح ولسنا نرى لها مناسبة في مقام الآية.

ويتبادر لنا أنها ليست منقطعة عن السياق السابق الذي فيه دعوة إلى الجهاد والهجرة ومراغمة العدو والحذر منه وتنديد بالمثبطين والمترددين وأنها جاءت معقبة وداعمة لذلك. والله أعلم. ومع اتصال الآية بظروف السيرة النبوية فإنّ فيها تلقينا مستمر المدى في إطلاق عبارتها حيث تظل تهتف بالمؤمنين في كل ظرف ومكان بأن لا يتوانوا في مكافحة أعدائهم الذين يظل التفوق لهم عليهم بإيمانهم بنصر الله وأعداؤهم يفقدون هذا الإيمان الذي يمدّ صاحبه بقوة عظمى.

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٥ الى ١١٣]

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩)

وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) .


(١) انظر تفسير الآيات في الطبري والخازن والطبرسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>