للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روى المفسرون «١» عن ابن عباس ومجاهد أن جملة لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً في صدد الأمر بمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ التوقير والتعظيم لا بالاسم والكنية فقط كما يخاطبون بعضهم. كما رووا أنها في صدد النهي عن عمل ما يستوجب دعاء النبي عليهم ودعاؤه موجب مستجاب.

وروى بعضهم «٢» أن الجملة في صدد التنبيه على ما يجب عليهم من تلقي دعوة النبي بالاهتمام حين ما يدعوهم إلى اجتماع لأن دعوته ليست من قبل دعوة بعضهم لبعض.

وقد تكون رواية الزمخشري الأخيرة هي الأكثر اتساقا مع موضوع الآية الأولى ومع الفقرة التي جاءت بعد الجملة التي نحن في صددها. وبهذا فقط يظهر الانسجام بين أجزاء الآيات.

والذي يتبادر لنا أن بعض المسلمين أو مرضى القلوب تلكأوا عن تلبية دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى اجتماع عام دعا إليه وأن بعضهم تسللوا من مثل هذا الاجتماع فاقتضت الحكمة الإيحاء بالآيات بأسلوبها المطلق ليكون من تأديب عام للمؤمنين في صدد ذلك على النحو الذي شرحناه.

والآيات تبدو فصلا جديدا. ولكن ما احتوته من تأديب للمسلمين وتعليم لآداب السلوك في مجالس النبي قد يجعلها متصلة موضوعا بالفصول السابقة فإذا لم تكن قد نزلت بعدها مباشرة فيكون وضعها في ترتيبها بسبب التناسب الموضوعي. والإنذار المنطوي في جملة فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ قوي رهيب، وقد جاء مطلقا هو الآخر ليكون مستمر المدى والشمول للذين يخالفون أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه وسنته الثابتة في كل وقت. وفي الجملة تأييد زجري للآيات العديدة التي أكدت وجوب طاعة رسول الله والوقوف عند ما يأمر به وينهى عنه، وقررت أن اتباعه من وسائل رضاء الله ومحبته على ما جاء في آيات


(١) انظر تفسير البغوي والطبري وابن كثير والخازن.
(٢) انظر تفسير الزمخشري.

<<  <  ج: ص:  >  >>